توسّع أردوغان في شرق المتوسّط مسمار نعش النهاية..
} سماهر الخطيب
وجّهت الولايات المتحدة بالأمس دعوة إلى الحليف الناتوي تركيا لسحب قواتها من شرق المتوسط.
وجاءت الدعوة على لسان وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو عشية زيارته إلى قبرص بهدف التوصل إلى حل سلميّ يُنهي التوتر في المنطقة.
وبحسب بومبيو فإن «زيارته لقبرص تأتي استكمالاً لاتصالات أجراها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء اليوناني»، مشدداً على «ضرورة حل النزاع بطريقة دبلوماسية وسلمية». كما أشار إلى «دور ألمانيا في السعي إلى خفض التوتر».
فيما أكدت الدول الأوروبية السبع المطلة على المتوسط في ختام قمتها بشأن الأوضاع في شرق المتوسط استعدادها لـ»فرض عقوبات على تركيا ما لم تتراجع عما وصفته بتحركاتها الأحادية الجانب في المنطقة».
كما أكدت الدول الأوروبية السبع “دعمها الكامل وتضامنها مع قبرص واليونان في وجه التعديات المتكررة على سيادتهما وحقوقهما السيادية والأعمال التصعيدية من جانب تركيا”، وفق ما جاء في البيان.
وندّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول أمس، بـ”لعبة الهيمنة لقوى تاريخية” في البحر الأبيض المتوسط وليبيا وسورية، مسمياً تركيا. وقال ماكرون إن «دول المتوسط السبع تريد حواراً بنية حسنة مع تركيا التي تقود سياسة توسعية في البحر الأبيض المتوسط».
وفي المشهد التركي يبدو أنّ أردوغان ماضٍ إلى نهاية حقبته «الأردوغانية»، بعد أن أصبحت نزعته «السلطانية» المتحكمة والمسيطرة على أفعاله وأقواله. وهو يعلم جليّاً بأنّ تلك النزعة التوسعية فاقدة أي شرعية أو مشروعية وخالية من أي سند قانوني يدعمها أو حق تاريخي يؤصّلها، ليس في مياه البحر الأبيض المتوسط، فحسب، إنما في معظم الأراضي السورية التي سلخها أجداده عن أمها السورية بلا حق وها هو اليوم يفتح عليه أبواب مواجهات قاسية وقاصمة، قد تصل إلى حد الحرب.
ومنذ أن وقعت تركيا اتفاقية ترسيم الحدود مع الوفاق الليبية ولم تكل ولم تهدأ بتوجيه تهديداتها لجيرانها في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وبخاصة قبرص واليونان، وذلك من خلال إعلانها الخاص بتوسيع نطاق عملياتها لاستكشاف حقول الغاز في المنطقة المتنازع عليها شرقي المتوسط، وتأكيدها على مواصلة سفينة التنقيب التركية “ياووز” أعمالها، خلال الفترة الممتدة من 18 آب، وحتى نهاية أيلول الحالي.
وصرّح أردوغان مراراً أن بلاده ستستأنف عمليات التنقيب وستبحث عن مصادر الطاقة قبالة جزر يونانية، متوعّداً بعدم التراجع عن توغل بلاده في شرق المتوسط، زاعماً أن لبلاده «الحق تماماً» في المنطقة المتنازع عليها مع اليونان.. وإذا ما فتحنا دفتر الحساب حول الحق المزعوم فسنجد أنّ هذه «الحقوق العثمانية» ما هي إلا الأوهام مجرّدة من المصداقية بنت إمبراطوريتها السابقة على المجازر التي ارتكبتها كالمجازر الأرمنية والسريانية واقتطعت الأراضي بلا أدنى حق متذرعة بقوة السيف من جهة وباتفاق مع حلفاء الحربين العالميتين الأولى والثانية من جهة أخرى..
إنما هروب أردوغان من الجهة الغربية نحو جهة المتوسطية سيكون مسماراً في نعش النهاية الحتمية لجنون الحقبة «الأردوغانية» التي عاشتها بلاده ودفعت وستدفع أكلافها عالية وغالية..
إذ أضحى أردوغان عدواً مشتركاً للغرب وللشرق بتصرّفاته الرعناء ولم تقتصر تلك العداوة على الخارج بل ظهرت وتغلغلت داخل بلاده وبين مواطنيه..
ودخل في دوامة الخلافات مع محيطه الشرقي والغربي وبات العمق الاستراتيجي أضغاث أحلام ولم يعد يساوي الحبر الذي كتب فيه أحمد داوود أوغلو كتابه موجهاً دعواته لحزبه السابق حزب العدالة والتنمية بالتوجه نحو الشرق والداخل المشرقي وباتت رؤية “صفر مشاكل” صفراً على شمال طموحات أردوغان الرعناء.. فأصبح الإقليم برمته ضدّه، فبينما تلوّح أوروبا بورقة العقوبات، تحرّك فرنسا قطعها الحربية إلى المتوسط، وواشنطن تفتر علاقتها به وتطلب منه بصريح العبارة سحب قواته من المتوسط وتدين “الجامعة العربية” تصرفاته وتطالبه بسحب قواته من سورية وليبيا وغيرها من البلاد التي عاث فيها فساداً ليبدو وكأنّ الجميع اتفق عليه ويتجه نحو تشكيل حلف جديد في رحم المنطقة لملاقاته، والذي يبدو في الزمن القريب قدراً مقدوراً..
في المحصلة تبدو نهاية «الأردوغانيّة» أمراً محتوماً وحقيقة مؤكدة، وفي التاريخ الكثير من أمثولات أطماع أردوغان وأوهامه التي تسببت بانهيار إمبراطوريات كبيرة واندثرت حضارات عظيمة، إذا ما افترضنا أنّ تركيا «حضارة» وإن كانت، فإنما حضارة مسروقة مبنية على مجازر..
وفي العودة إلى التاريخ، فإن كثيراً من الإمبراطوريات انهارت وفسدت واضمحلت من داخلها، بسبب تصرفات حكامها وما محاولة أردوغان لبناء دولة خلافة تركية من جديد، إلا أوهام مضادة لحركة التاريخ وتزييف لتطور البشرية..
وإذا ما استمرّ في تجاوزاته لكل الخطوط الحمر فإن نهايته حتماً ستأتي على يد تحالف دولي إقليمي، قد يتحول إلى حلف عسكري في القريب العاجل، للقضاء على أوهام السلطان الذي لم يعد له صاحب أو صديق..