هل بدأت العصافير رحلة العودة؟*
الياس عشي
العصافير تعود من مغتربها القسري، وأنا أحلمّ بالعودة إلى الأزقة، ألملم دموع الأطفال الجائعين، وأرسم على الجدران رغيفاً من الخبز، وحبّة زيتون، وعلبة حليب، وكرة.
إنها رحلة الإياب إلى شارع كان، في زمن ما، مسرحاً لأفكارنا ووجعنا، وتحوّل اليوم إلى أرصفة ومقاهٍ ومجموعة من المتسوّلين.
وإنها لحظة الاعتراف بأننا سنبقى عبيداً إلى أن يصبح رغيف الخبز مَشاعاً لكلّ أطفال العالم.
هل نجرؤ، والقتل في كلّ مكان، أن نعيد صياغة السؤال الذي طرحه سعاده قبل مئة عام على نفسه: ما الذي جلب هذا الويل لأمّتي؟
هل نجرؤ على الاعتراف بأنّ هذا الربيع المزيّف الذي يجتاح العالم العربي، ما كان لدعاته أن ينجحوا في نشر ثقافته، لو عدَل أصحاب الجلالة والسموّ والفخامة بين رعاياهم، بحيث يتساوى الجميع، كأسنان المشط، أمام القانون، وأمام الرغيف؟
قلت مرة: إنّ غناء الشاعر يحلو عندما تضع السلطة على رأسه إكليلاً من الشوك. فأين هم اليوم شعراؤنا وكتابنا ومفكّرونا لا يخرجون الى الشوارع، ولا يهتفون. صاروا جزءاً من مقاهي الأرصفة، واختلطت أصواتهم بأصوات النراجيل. لقد تقاعدوا. والمفكّر الذي يتقاعد يخرج من دورة الحياة.
هل هي دعوة إلى الفوضى؟ ولم لا؟ شرط أن تكون هذه الفوضى، الاتجاهَ المعاكس للفوضى “الخلّاقة” التي يسعى الغرب لنشرها في سورية وغيرها من أمم العالم العربي، بغية الوصول إلى جغرافيات دينية ومذهبية وإثنية تناسب العولمة المعاصرة.
صدّقوني… صرتُ أحلم بالعودة إلى عصر النهضة. أتغرغر اليوم بما قرأته للكواكبي وخليل سعاده ومعروف الرصافي وجبران خليل جبران وقاسم أمين وأنطون فرح، وأسأل: أين كنّا اليوم لو لم يكن هؤلاء العمالقة؟ وماذا لو أنهم وقفوا على الحياد ونأوا بأنفسهم عن عسف العثمانيين، وعن الفقر والجوع والجهل الذين كانوا العلامة الفارقة للحكم العثمانيّ طوال أربعمئة عام؟
وماذا لو أنّ أنطون سعاده أدار ظهره للسؤال الذي طرحه بينه وبين ذاته؟ وعندما عرف الجواب اغتالوه.
*من كتاب “الرقص في عيد البربارة على الطريقة الأميركيّة”