مكدوس*
} هاني سليمان الحلبي
بيارات وبساتين
تمتدّ سهولاً وأودية
شفاهُها عطشى
لفرات ودجلة
لعاصي وليطاني
لحاصباني
وسيحانٍ وجيحانِ
***
يتسرّب الماء
خلاياها فيطلع
أزهاراً وأسحارا
مواسمَ وغلالا
وخيراً مدرارا
هنا أول ترعة!
هنا أول ابتكار لقناة!
هنا أول جسر!
هنا تناهت خلقاً الحياة!
***
خضار تسبِّح أرضها
تبسمل بيدِ زارعها
أشكالاً وألوانا
بندورة، كوسى
تمراً، باذنجانا
ومن كل بذرة شتلة
ومن الشتلة الخير كانا
***
بيوتنا
منذ سحيق العصور
ملأى بالمسامن
بكوائر البذور
صنعوا من مواسمنا القديد
لأيام الشتاء
بلا موادّ حفظ
اكتشفوا كيف يحوّلون
اليانع مكدوسا
لنمجّدْ ربَّ الزرع
ربَّ الضرع
لمن تخشع له النفوس
لنوقدْ في كوكبه
أصابع البخور
***
أوحت منذ عامينِ إليّ:
تعالَ أعلمك للحياة درساً
لا تعلمُه إلا ربةُ بيت!
آتني بباذنجان
اسلقه
افتحه قليلاً
ملّحه
اكبسه يوماً
اصنع حشوة
من أطايب عدة
جوز وفستق وملح
وثوم ورمان وفليلفة
دقَّها ناعمة
واحشِها
في ثمار الباذنجان
ضع الأوعية مقلوبة 3 أيام
لتتبدّد من مائها
خذ هذه القاعدة
ناموساً لحياتك:
إن لم تعصرك الحياة فلا تستمر
وأنت في العصر تجلّدْ
ابقِ نفسك قويّة
إلى حين الخلاص
مَنْ يصبِرْ يبقَ
***
كأنه حلم
أو مشهد من عالم سراب
لكن الثمار
بعدما ارتفعت إلى سماء عليا
لا أقدر على بلعها
لأنها لا تقاسمني
لقمتها
وزّعتها لأمثالي الفقراء
في الحيّ
ترحّموا على ربّة الصُّنعة
إن شئتم
وإن لا
فمستغنية روحُها
عن رحمة العباد
فكيف أمضغُها
تلك التي قاسمتُها سنوات عَصْر
ولن تقاسمَني سنواتِ خلاص
***
أيُّ خلاص
من انسحاق طائفيّ
أنا المولود في مرتبة سادسة
طاردُ طلبات توظيفي
عقوداً حزب اشتراكيّ
حتى فرغت جعبتي
من وثائقي الأصليّة
غدوتُ بدلاً من ضائع
في زمن القبائل اللبنانيّة
وجمعية الأمم الطائفيّة
وما فيها من شيوخ وبيوك
ومقدّمين وأفنديّة…
***
سلاماً يوم ولدتِ
سلاماً يوم غبتِ حتى بقيتِ
بكِ أمجّد رب العباد
بأبنائه الصالحين
بكِ أمجد ربّ الموت
سائساً في معبد الجهات
بكِ أمجّدُ ربّ الحكمة..
المجد للحياة..
* تحية إلى روح والدتي الشيخة ملكة نصرالدين..
