التصويب على الرئيس عون له أبعادٌ إقليميّة
} د. وفيق إبراهيم
صحيح أن هناك جزءاً داخلياً يتعلّق بالصراع على الساحة المسيحيّة في مناخات هذا الهجوم المركز الذي يستهدف الرئيس عون، كما له بعدٌ في الصراع على النفوذ بين قوى في طوائف مختلفة، تظهر في الرشق الهائل الذي يتعرّض له عون من مختلف تيارات حزب المستقبل، سواء من المنشقين عنه من أمثال أشرف ريفي ونهاد المشنوق أو من التنظيمات الإرهابية، وصولاً إلى مركزية حزب المستقبل الحريرية التي لا تهدأ في التصويب على الرئيس وصهره عبر كلّ المستويات من السعد وحتى قيادات المناطق.
كذلك يجب أن لا ننسى أنّ الهجوم على عون أصبح لازمة من لوازم عدة الشغل عند ثلاثي آل الجميّل الكتائبيين الأمين والسامي والنديم وأركان حزبهم من السياسيين والمحللين… هذا الى جانب أنّ العماد عون وصهره جبران هما الموقع الأثير لاستهدافات النائب السابق وليد جنبلاط الذي يفشّ فيه خلقه عندما تنضب القريحة، أو تزداد امتلاء فتفيض.
إنّ هذا «الانضباط المريب» في التصويب على الرئيس عون في مرحلة انهيار لبنان والصراع على إعادة شيء من الاستقرار الوهميّ إليه، بما يكشف أنّ قوى هذه الهجوم مرتبطة بمراكز إقليمية وخارجية متحالفة.
هذا الخارج هم الأميركيون والسعوديون اللاعب الفعلي في لبنان بمسمّياته الأساسية او بالواسطة عبر الفرنسي الطامح الى أدوار اقتصادية في لبنان والبحر المتوسط وسورية والعراق.
أما حكايات «التركي والإماراتي» فهذا «خارج» لا يزال ضعيفاً في لبنان ويحتاج الى وقت طويل لتأسيس موقعية لبنانية تؤهّله ليصبح لاعباً في ميادينه.. لذلك فإنّ أدواره تقتصر على إنتاج أعمال شغب، تصبّ في خدمة إضعاف الدولة وتقوية الخط السعودي الأميركي.
للتوضيح فإنّ هذه الأطراف الداخلية معادية بشكل جذري لحزب الله، لكنها تعرف أنّ محاصرته في بيئته مستحيلة، لأنّ لبنان منقسم بين مجموعات طوائفية، ما يجعلها تفضّل استهدافه على شكل صراعات بين مذاهب مختلفة وليس داخل «شيعيته» التي لا ينافسه أحد عليها لقوّته وتحالفه شبه الاندماجي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.
لذلك يدخل الفريق الأميركي ـ السعودي الى لبنان مجدّداً عبر الفرنسي الطامح بدوره إلى تموضع خاص به لا يناقض الأساس الأميركي ـ السعودي لكنه يستفيد من اتجاهه للكمون والتربّص لاعتبارات تتعلق بتراجع الأميركيين إقليمياً.
للدلالة فقط، فإنّ أزمة الأميركيين جعلتهم يصابون بيأس من إسقاط الدولة السورية وتطويع العراق، فرحلوا إلى الخليج لبناء حلف إسرائيلي عربي، لمواجهة إيران وسورية وروسيا والصين…
العماد عون إذاً مستهدَف بعنف لقوّته في الميدان المسيحي ونجاحه في التحالف مع حزب الله دافعاً نحو استقرار سياسي طوائفي، وبالتالي لبناني، أما الانفجار الاقتصادي فوليد مرحلة سياسية طويلة اعترف الأميركيون والأوروبيون أنها محصلة سياسات تراكمية عمرها ثلاثون عاماً تقريباً.
يتبيّن أنّ الأميركيين والسعوديين يعتبرون عون الداعم الأساسي لاستقرار لبناني سياسي دعم الدور الإقليمي لحزب الله.
ويريدون عبر الدور الفرنسي، أداء أدوار تحايلية بالتصريح علناً انّ حزب الله فريق سياسي لبناني وازن لا يمكن تجاوزه، ويعملون سراً على تشكيل حكومة يزعمون أنها مستقلة على ان يختارها رئيس الحكومة مصطفى أديب.
بذلك يتمكّنون من إقصاء الرئيس عون وحليفه حزب الله عن المشاركة في إنتاج أدوار سياسية تنفيذية.
وقد يصاب المتابعون بذهول عندما يكتشفون أنّ الحكومة المرتقبة غير المضبوطة حكومياً بوجود فريق عون ـ بري ـ حزب الله، بوسعها الاتجاه نحو إعلان لبنان بلداً محايداً وربما أكثر، فإذا كانت البحرين تحت ضغط حاجة دولتها الى الحماية الأميركية رضخت لإعلان التطبيع مع الكيان الإسرائيلي فلماذا لا تفعل مثلها دول ضعيفة تقع حالياً تحت نظام وصاية غربي يمنع عنها المال من الصناديق الدولية، وقد يربط فتحها بسياسات إقليمية لبنانية جديدة.
إلا أنّ هناك عائقين يحولان دون هذه الإمكانية، الرئيس ميشال عون بما هو أداة للاستقرار الوطني والحريص على سيادة الدولة وتحالف حزب الله ـ بري.
فإذا كان إقصاء الفريق الشيعي عن دوائر القرار الحكومي كافياً لإبعادهما عن المشاركة السياسية الفاعلة، فإنّ إقصاء التيار الوطني الحر عن الحكومة المرتقبة لا يلغي دور رئاسة الجمهورية، التي لها حق التوقيع على المراسيم والقرارات، بذلك يمكن لعون تعطيل ما يراه مخالفاً للسيادة اللبنانية.
هذا هو السبب الأساسي لمطالبة فريق جعجع ـ الحريري ـ الريفي وبعض فروع الثورة المزعومة باستقالة عون وإصرار يبدو أنه خارجي أيضاً، بانتزاع وزارة المال من الشيعة، وهم الذين انتزعوا حقّ تسلمها في محادثات اتفاق الطائف، ليس لمجرد القسمة الطائفية، بلا لإيلاء التوقيع التنفيذي الثالث في الدولة لطائفة شيعية تشكل قسماً وازناً من اللبنانيين ـ ولأحزابها أدوار إقليمية.
لذلك فما يجري اليوم هو كباش غربي مع عون وحزب الله وبري لمصادرة التواقيع الأساسية في الدولة أيّ توقيعي رئاسة الجمهورية ووزارة المال، فيستطيع الغرب الأميركي ـ السعودي بذلك الذهاب نحو التطبيع واستعداء سورية، لإعادة إنعاش الدور الأميركي المتراجع في الشرق الأوسط.