في زمن الذلقراطيّة والرهابقراطيّة ماذا نفعل؟
د. لور أبي خليل*
تمارس القوى الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية «الذلقراطية» كما عرّفها المهدي المنجرة في كتابه «الاهانة في عهد الميغا إمبريالية» على دول المشرق العربي. ويفسر هذا المفهوم أن النظام السياسي الأميركي يستغل التفاوت في علاقات القوة الداخلية والخارجية لبسط سيطرته المطلقة على منطقتنا من دون ان يراعي أي كرامة لحكامنا وشعبنا ومؤسساتنا. هنالك إهانة واضحة في الهيمنة الاميركية على ثرواتنا وعلى حقوقنا. فالولايات المتحدة تضرب بعين الحائط كرامتنا وإرادتنا الشعبية. وهنا نستطيع ان نلاحظ ان قواعد الذلقراطية تتمثل في خرق مبادئ الديمقراطية لتقديم دروس في السلوك الحسن والاخلاق الحميدة.
كيف ذلك ونحن منذ عام 2007 نعيش قواعد الذلقراطية. فبعد انتهاء عهد اميل لحود نعيش سلسلة لا متناهية من المهانات تجاه محور المقاومة ورموزه وبالرغم من ان جبهة محور المقاومة متحدة وأثبتت أنها جاهزة لأي اعتداء، إلا ان الهجوم من قبل القوى الامبريالية عليها تضاعف وتغيرت استراتيجيته تحديداً بعد انتصار حرب تموز لان الامبريالية الاميركية رأت بأن فعل القوة لم يأت بالنتيجة المرجوّة فحوّلت مسارها الى ضرب المستوى السياسي – الاجتماعي ومن ثم الى ضرب المستوى الاقتصادي فوصلنا الى ما وصلنا اليه حالياً.
وصلنا الى مصاف الدول الأكثر استدانة في العالم نسبة لعدد سكانها، وصلنا الى فساد مستشر في مؤسساتنا وإداراتنا كافة، وصلنا الى انتفاخ في فاتورة الإنفاق الحكومي، وصلنا الى قطاع مصرفي متضخم يمنح أسعار فائدة خيالية على الودائع، وصلنا الى انهيار كامل لنماذج التنمية التي فرضتها المحافل الدولية. ونحن نقرأ في آخر تقرير لبرنامج الامم المتحدة الإنمائي انّ لبنان في المرتبة 93 من ترتيب التنمية البشرية اي في مرتبة منخفضة جداً. كلّ هذه الأسباب مدروسة مسبقاً إذ انها تهدف نحو تحويل المسار من فعل القوة الى فعل الاستعمار الفكري والثقافي. سعت القوى الامبريالية ان يكون النظام السياسي الاجتماعي الاقتصادي مأزوماً لكي تستطيع القوى التحكم في تنفيذ أجنداتها الخارجية وسياساتها الدولية.
كيف نستطيع ان نفسر الاستعمار الفكري _ الثقافي؟
ترافقت خطوات الانهيار في النظام السياسي والاقتصادي بالتعدي على أنظمة القيم أيّ بما يسمّى بـ «الاستلاب الثقافي» وهو التطاول على رموز المقاومة وعلى موقع رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ورئاسة مجلس النواب وحتى الوجوه الجديدة التي وصلت الى السلطة التنفيذية والتي كانت أهدافها إصلاحية أخذت نصيبها من هذا التعدي. وكان هذا الأمر مصحوباً بتعليقات بعض من وسائل الإعلام اللبنانية التي استخدمت المذلة والعجرفة في حربها على الرموز والمواقع. وهذه الوسائل لا تعرف حدوداً وتتوجه مباشرة الى إذلال الآخر. فهنا تكون بداية تنفيذ خريطة الطريق الجديدة خريطة طريق أميركية تقود لا محالة الى فقدان الأمن والسلام في لبنان.
اننا نعيش الآن أزمة أخلاقية حقيقية في لبنان ناجمة عن غياب العدالة الاجتماعية وعن غياب المثقفين الذين يدافعون عن قضايا أمتنا (عن القضية الفلسطينية، عما يحصل في سورية وفي العراق) لم يعد أحد يقوم بردّ فعل إزاء أية إهانة لمعتقداتنا سواء من قبل أعداء الداخل الذين يعملون لمصلحة القوى الامبريالية او من قبل القوى الخارجية. وهذا الغياب للعدالة سيؤدي حتماً الى العصيان والانفجار الاجتماعي لأن البيئة الحاضنة للمقاومة سوف ترفض المذلة الوطنية والدولية لرموز المقاومة فلولا المقاومة لكنا اليوم في حضن داعش والنصرة والمنظمات المتطرفة على أنواعها ولولا المقاومة لكان جنود العدو الإسرائيلي في بيروت والشام وبغداد فهم الذين وقفوا ودافعوا واستشهدوا بوجه الاحتلال الصهيونيّ وبوجه المنظمات الإرهابية.
ما الذي تفعله القوى الامبريالية؟
إن القوى الامبريالية تحاول تطويع الأذهان. والهدف من التطويع هذا هو إضعاف محور المقاومة واذاعة ثقافة الرهابقراطية اي ان كل الذي يحصل في لبنان سببه وجود سلاح المقاومة. نحن أمام حرب استعمارية بأشكال جديدة وأدوات جديدة ووجوه جديدة. فالمناضلون الحقيقيون يجب ان يكون منطلقهم فلسطين وان يعود سلم القيم الى اساسه في محاربة القائمة الاستعمارية الجديدة لأن النضال الحقيقي هو في إعادة الحق الى أصحابه. ومن الخجل ان يتم ربط المقاومة بالإرهاب من اجل مصالح ضيقة. فأقول للشباب الذين يحملون شعارات المجتمع المدني ان التغيير لا يكون بإضعاف الاحزاب التاريخية التي لها مجد وماض ومناضلون لأن التغيير لا يأتي بالخيانة بل بالشفافية وتكاثف الجهود والعمل والجدية. فنحن ندخل نهاية الامبراطورية الاميركية الاحادية المبنية على «الذلقراطية والرهابقراطية». ويجب ان لا تنصب جهودكم على الشتائم وانما على معرفة حقيقة اهداف المعسكر اليهودي واستراتيجيته وخطة عمله لأن الضعف الذي نعيشه هو الذي سوف يدمرنا وزرع الفتنة هو الذي سيضعفنا. فالمستقبل يصنع بالتكاتف والتماسك بين ابناء المجتمع الواحد وتوحيد الهدف يكون بدعم المقاومة فهي الأداة الوحيدة التي نملكها للمواجهة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذة محاضرة في كلية الحقوق والعلوم السياسية ومعهد العلوم الاجتماعية، الجامعة اللبنانية، باحثة وخبيرة في شؤون مكافحة الفساد ورسم السياسات العامة.