أخيرة

كسيل النهر الهادر…

} لواء العريضي

وصلنا اليوم إلى حالة اجتماعية عاتية، والمقصود بالحالة الاجتماعية لا المجتمع الكلّي ومشاكله، بل أفراد المجتمع الذين نجالسهم ونلتزم صحبتهم برابط الصداقة أو قرابة الدم. الكل يريد حلولاً وراحةً والكلّ يطمح لغدٍ أفضل. الهدف واحد ولكن الطريق لهذا الهدف هو موضع الخلاف. فبعد كلّ ما مررنا به بقي طريقان علينا اختيار أحدهما، طريق الارتهان والتطبيع وهو الطريق السريع، علماً أنّ في آخره ظلاماً لا يستشرفه أصحاب هذا الخيار لأنهم يأبهون للحلول الآنية فقط، والطريق الآخر طويل وصعب عنوانه المقاومة وإحقاق الأرض وتقرير المصير وآخره راحة وازدهار مؤكّد.

بات اليوم كلّ نصيرٍ لفكرة المقاومة موضع هجوم لوابلِ صواريخ استجوابية عن صحة فكره ومقاربته الأمور. وعند كلّ جلسة، الاتهامات نفسها والحديث ذاته يدور وبإصرارٍ كبير لضرب أفكاره بالحائط وتحقيق موقف شفهي قيمته قيمة ثاني أكسيد الكاربون في زفير قطة عند التثاؤب.

تبدّل خطير على صعيد محيطنا الضيّق، تبديل قناعات راسخة بأخرى طالحة، والسبب الرئيسي هو إنهاكنا بمشاكلنا السياسية الداخلية والفساد والطائفية والوضع الاقتصادي المزري نتيجة عقودٍ من الرضى بوضعٍ آنيّ يناسب الفرد وينقض المصلحة العامة. ولا زال هذا النهج هو الطرح الأكثر شعبية لمواجهة مخاطر اليوم!

كلّ فكرة ضدّ المقاومة والحرية باتت سهلة التسويق، وكلّ فكرة مع المقاومة والحياة أصبحت معقدة. هذا أمر طبيعي حيث إنّ الخنوع لا يتطلّب جهداً بالمجمل لأنّه نتيجة الخمول والولولة اللا متناهية، على نقيض تحرير الأرض وتقرير المصير الذي يتطلّب جهداً جبّاراً وطريقاً طويلة لا يختصرها عمر الإنسان، فهو ورشة عمل تتابعها الأجيال.

كلّ خيرٍ عام بحاجة لإرادة ومثابرة وتصميم، ففي الدِين مثلاً الفكرة بسيطة؛ من يعمل لملاقاة الراحة الأبدية في آخرته يشقى معظم عمره وأحياناً يفوّت فرصاً ثمينةً لأنه يأبى أن يسلك الطريق المختصر المعبّد بالرذيلة. وفي تربية الأولاد كذلك الأمر، فسهر وتعب وإرهاق الأهل لإرساء مبادئ الأخلاق وإقناع الولد أنّ طريق حسن الأخلاق بحاجة لتصميم ومثابرة، تقابلها طريق مظلمة مغرية تكمن بصحبة السوء فتوصل لأتعس النتائج. فالولد لا يعلم ما ستؤول هذه الطريق إليه فلا يرضخ لكلام الأهل بسهولة إلّا بعد الوقوع في المحظور. فكما تغري الرذيلة أصحاب النفوس الضعيفة، تغري العبودية وتسخيف القضايا الوطنية طلّاب العيش الآني المتقاعسين.

الخير العام نبيل. والمحافظة على النبل هو الأصعب. فلا تيأسوا، بل «كونوا كسيل النهر الهادر، لا يعيقه نقيق الضفادع» فنحن نعمل بجِدٍّ ولا نكتفي بالقول ومصيرنا هو النصر. فمن ينقضنا ويعمل لإفشالنا، يعمل لإفشالنا فقط! لا لنصرة وجهته حيث إنه بالأصل خانع لا ينوي العمل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى