الحريري يُسقط ماكرون وأديب
ناصر قنديل
– ثمّة إشارتان لافتتان في المشهد الحكومي لم تكونا جزءاً من المبادرة الفرنسية، وصارتا عنواناً للمسار الحكومي، ولا يفسّرهما سوى موقف الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، الأولى استحضار نادي رؤساء حكومات سابقين، لم يطلب أحد منه تسمية مرشح لرئاسة الحكومة لتتبناه الكتل النيابية، ومن خلفها المبادرة الفرنسية. فالكل تحدّث عن مطالبة الرئيس الحريري بتسمية من يمثله او يتبنى ترشيحه، مع ترك هوامش تفضيلية للكتل عبر لائحة مختصرة من ثلاثة مرشحين، بعدما تعذّر حصوله على تسمية مسيحية وازنة تحقق ميثاقية تسميته شخصياً كرئيس مكلف، رغم الجهود المضنية التي بذلها رئيس مجلس النوب نبيه بري مدعوماً من حزب الله لإقناع التيار الوطني الحر بالموافقة على تسمية الحريري، ولكن الحريري هو الذي قام بتجيير هذا الطلب الى حساب جديد فتحه هو باسم رؤساء حكومات سابقين وحولهم الى مؤسسة مرجعية، فلماذا فعل ذلك؟
– الثانية إسقاط مشروع المداورة من خارج المبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون ولخصها بالنقاط التسع التي تلاها ووزعها على حضور لقاء قصر الصنوبر، بعد تسمية الرئيس المكلف مصطفى أديب لتهبط المداورة من المجهول، وتتحوّل الى مصدر للأزمة الحكومية الراهنة، ولم يعد خافياً أن الحريري هو الأب الشرعي لنظرية طرحها الرئيس فؤاد السنيورة لوضع اليد على وزارتي المال والطاقة تحت عنوان المداورة، انطلاقاً من إدراك أن العقوبات على وزير المال السابق المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب، جاءت تتمة لنظرية المداورة أي تجريد ثنائي أمل وحزب الله من وزارة المال للضغط السياسي لإضعاف الثنائي، لكن الحريري له حسابات لا بد من معرفتها لفهم استحضاره لنادي رؤساء الحكومات، ولتبني نظرية السنيورة بالمداورة، والتغريد لها كهدف وطني كبير وجليل، رغم حصرها في وزارة المال، وتجاهل نص المادة 95 الذي لم يتناول لا تخصيص ولا عدم تخصيص وزارة بطائفة خلافاً لكلام الحريري، واكتفت بطلب تمثيل عادل للطوائف في الحكومة، والتمثيل العادل هو منطلق الثنائي للتمسك بما سُمّي بالتوقيع الثالث، بينما نصت المادة 95 صراحة على ما يدعو للتمسك بالمداورة في وظائف الفئة الأولى برفضها تخصيص طائفة بوظيفة، بينما القائم منذ الطائف هو العكس، خصوصاً في المراكز العليا في الدولة من قائد الجيش وحاكم المصرف الى مدراء الأمن الداخلي والأمن العام ومجلس الإنماء والإعمار والهيئة العليا للإغاثة وسواها من مراكز لا يكرّسها نص ولا عرف، ولم يتحدّث أحد عن مداورة فيها.
– الحريري يعرف هشاشة تمثيل رؤساء الحكومات الذين منحهم الشراكة في إدارة الملف الحكومي، كما يعرف هشاشة المستند الدستوري والميثاقي والسياسي لإثارة المداورة لسحب وزارة المال من يد الثنائي كشرط لولادة الحكومة من جهة، كما يعرف ما يمكن أن ينتج عن شراكة رؤساء الحكومات في المسار الحكومي من تسمية الرئيس المكلف الى شروط التأليف، وعن إثارة ملف سحب وزارة المال من يد الثنائي، خلافاً لتقديرات شريكه في نادي الرؤساء السابقين للحكومة، الرئيس فؤاد السنيورة، فالنادي سينتج اسماً لمرشح لرئاسة الحكومة يحمله الحريري لأحد الشريكين، وهذا هو الحال مع تسمية الرئيس مصطفى أديب الذي عمل كمدير مكتب للرئيس نجيب ميقاتي، وسينتج عن الشراكة مع السنيورة وميقاتي خصوصاً مزيد من التصعيد على الثنائي والعهد وتعقيد لمسار الرئيس المكلف، لكنه سيظهر الحريري بمظهر رافض التفرّد ويفتح له خطوط التواصل التي يملكها شركاؤه مع كل من واشنطن والرياض، والمداورة بيقين الحريري في هذا الظرف ومن خارج المبادرة الفرنسية التي قرر الثنائي التعامل الإيجابي معها، بما تعنيه من استهداف لموقع الثنائي من بوابة وزارة المال التي لم يعاند الحريري تسلّمها من ممثل للثنائي مراراً، هي المدخل الذي يتيح له تفخيخ مسار نجاح الرئيس المكلف ودفعه نحو الفشل والاعتذار، من دون أن يحمل مسؤولية إفشاله، ومن دون أن يحمل مسؤولية إراقة دماء المبادرة الفرنسية، لكن النتيجة التي يأمل الحريري بلوغها هي فتح الطريق مجدداً لعودته لرئاسة الحكومة، بتسمية يتوقع قبول التيار الوطني الحر بها تحت ظلال إنقاذ المبادرة الفرنسية، وعدم تحمل مسؤولية إفشالها، وفتح حوار مع الثنائي عنوانه أنه في حكومة يرأسها كرئيس قوة سياسية لا تعارض مع تسمية سياسيين، ولا مع تسمية وزير مال من قبل الثنائي، لأن حجم ووزن رئيس الحكومة هو المسألة. وهذا الحوار الذي يفترض أن يسبق التسمية يتيح العودة للتفاهم الذي يمنحه تسمية الثنائي لاسمه، وفقاً لتقديرات الحريري.
– الحريري الذي لم يبق اسماً من كنفه إلا وأجهض فرص وصولة للتسمية النهائية بعد استقالته منذ عام، ولم يهضم بعد دخول الرئيس حسان دياب نادي رؤساء الحكومات، لم يستسغ منح الفرصة لسواه للنجاح بقيادة حكومة إنقاذ قد تبدأ بصفتها انتقالية، ولا تلبث ان تتحول دائمة ويتحول رئيسها لمرشح دائم، والرئيس المكلف مصطفى أديب الحريص على مراجعة الحريري في كل شاردة وواردة، ينظر إليه بالريبة والشك من قبل الحريري إذا تمكن من عبور مخاض التأليف، مع دعم خارجي للإنقاذ، ويعتبره مشروعاً منافساً سواء لحساب طموحات شخصية أو لحساب مرجعية فرنسية أو لحساب الرئيس ميقاتي، رغم كل التطمينات التي يقدّمها أديب للحريري بالولاء، والحريري الذي لا تربطه علاقات يعتد بها مع الفرنسيين في عهد ماكرون، يفضل رئاسة الحكومة في ظلال تفاهم يضم مع باريس كلاً من واشنطن والرياض، وهو ما يعتقد ان فرنسا ستتجه نحوه عندما تتعثر تجربة أديب نحو البحث بمظلة سياسية داخلية وخارجية تسبق النسخة الثانية من المبادرة التي يتوق الحريري ليكون عنوانها.