أميركا تعاقب ماكرون!
} حسن الدّر
لا يمكن الفصل بين السياسة والمصالح، ولا يمكن الفصل بين الإنسان وعاطفته، حتّى لو كان رئيساً لدولة كبرى، وهذا التقاطع بين مصلحة فرنسا في وضع قدم متقدّم لها في «الشّرق الأوسط» لمواجهة التّمدّد التّركي، وبين العلاقة الوجدانيّة الرّابطة بين لبنان فرنسا.
جاء انفجار المرفأ والمأساة الّتي خلّفها، فكان ايمانويل ماكرون أوّل الواصلين إلى لبنان لتقديم الدّعم المعنوي والمادي، وليقول «لبنان ليس وحيداً» فتفاجأ، ربّما، باستقبال اللّبنانيين له، وتأثّر بالدّموع الّتي ذرفت، ونداءات الاستغاثة الّتي ناشدته تخليص لبنان من أزمته!
لا شكّ بأنّ ماكرون نسّق مع الأميركيين والإيرانيين، وقد أعلن ذلك صراحة، لكنّه، على ما يبدو تجاوز خطوطاً حمر رسمتها الولايات المتّحدة للعلاقة مع حزب الله، فدافع عن الحزب بطريقة أو بأخرى، واعترف بحضوره كقوّة سياسيّة منتخبة من فئة من الشّعب اللّبنانيّ، وهو أمر مرفوض أميركيّاً في ظلّ المساعي المتراكمة منذ سنوات لعزل الحزب داخليّاً وخارجيّاً، فأتى تخصيص ماكرون لممثّل الحزب بلقاء خاص كنوع من فكّ العزلة الدّوليّة عنه، وهذه خطيئة في الحسابات الأميركيّة.
تلقّف الثّنائي الشّيعي مسعى ماكرون، وكان أكثر المسهّلين لمبادرته، وأكثرهم تعاوناً، لكن المبادرة اصطدمت بحسابات الدّاخل اللّبناني المتقاطعة مع الهوى الأميركي.
نادي رؤساء الحكومات يريد تصفية حساباته مع العهد، فوضع الرّئيس المكلّف تحت جناحه، وراح يعزف منفرداً على وتر تركيب التّشكيلة الحكوميّة دون مراعاة الأعراف اللّبنانيّة، وصار الرّئيس فؤاد السّنيورة، عرّاب المبادرة، والسّاهر على تنفيذها، مضيفاً إليها شروطاً لم تكن في حسابات ماكرون، بل هي من إيحاءات بومبيو.
نقل الرّئيس الحريري شروط التّأليف للرّئيس نبيه برّي، بعد العقوبات على معاونه السّياسيّ والرّسالة الأميركيّة معها، فتفاجأ بموقف الحريري، وهو القائل ذات محاولة عزل الحريري: أنا معه ظالماً أو مظلوماً، فردّ برّي بمزيد من الإصرار على وزارة الماليّة وتسمية الوزراء الشّيعة، تحسّساً منه لمحاولة تكرار سيناريو ٢٠٠٥ وإقصاء الثّنائي من دائرة القرارات التّنفيذيّة، ولم ينسَ برّي حكومة السّنيورة البتراء يوم انسحب منها الوزراء الشّيعة، واعتصم عشرات الآلاف أمام السّراي الحكومي لثني السّنيورة عن الاستفراد بالحكم في ظلّ حكومة فاقدة للميثاقيّة، فلم يرفّ جفن السّنيورة، كما عبّر هو، وتابع استصدار القرارات الّتي ضاعت معها الـ 11 مليار دولار!
بالعودة إلى الموقف الأميركي من مبادرة ماكرون، فالولايات المتّحدة لم تهضم معارضة فرنسا اقتراحها تمديد حظر توريد السلاح إلى إيران في مجلس الأمن، معطوفاً على موقفه المستجدّ من حزب الله، فوجدت الفرصة المؤاتية لكفّ يده، وإفشال مبادرته، بأيدٍ لبنانيّة…
وإذا ما اعتذر الرئيس المكلف مصطفى أديب، يكون الرّئيس الفرنسي أحد المشمولين بالعقوبات الأميركيّة السّياسيّة على كلّ من يتعاطى بإيجابيّة مع حزب الله.
في السّياق، وبينما بدت بوادر حلحلة في الملفّ الحكومي من قبل الرّئيس المكلّف، وتمديد مهلة التّأليف، ما أوحى بإمكانيّة ولادة حكومة لا غالب ولا مغلوب، برزت عقدة جديدة برفض جبران باسيل إسناد الماليّة للثّنائي، تخوّفاً من تكريس المثالثة، كما ادّعى، فجاء الرّدّ من عين التّينة: «لمن يقولون هذه مثالثة، نقول: اذا كانت هذه مثالثة فما هي المرابعة؟ الطاقة!»
موقف الحريري مستغرب إزاء الرّئيس نبيه برّي، وله مبرّر، وإنْ كان ثانويّاً، وهو الانتقام من العهد ومن جبران باسيل، ولكن، ما تفسير موقف باسيل إزاء حزب الله، وإزاء العهد الّذي يمثّله؟!
فعلًا، ينطبق على موقف باسيل المثل الشّائع «يرضى القتيل وليس يرضى القاتل!»