الدولة المدنيّة
يطرح السجال السياسي المندفع بلغة طائفية عالية النبرة بما يتعدى أصوات القوى التي تمثل الطوائف ومرجعيّاتها الدينية والطائفية، بالتوازي مع تنافس وسباق على تبنّي الذهاب إلى الدولة المدنيّة في آن واحد، حقيقة واضحة تقول بأن النظام الطائفي يحتضر ويعترف بإفلاسه ويعجز عن تقديم حلول للمشاكل، لكنها تقول بالمقابل إن الدعوة للدولة المدنية التي لا تعبر عن ذاتها في الخطاب المترفع عن العصبيات والحسابات الطائفية، لا تبشّر بخير قريب في فرص بلوغها.
في متابعة وسائل التواصل الاجتماعي نكتشف بسهولة نجاح خطاب العصبيات الطائفية بتظهير قدرته على استدراج نماذج مثقفة يفترض أنها غير طائفية، فصار خطابها وتموضعها تحت عناوين مدنية ينضح بالعصبية الطائفية.
نظام طائفي عاجز عن الحياة وعاجز عن تقديم الحلول، بما يعني الفشل السياسي الكامل، وبالتوازي مشروع مدني للمجتمع لا يملك مزاجاً شعبياً حقيقياً عابراً للطوائف بمفردات واضحة ولغة موحدة، ولا يملك الكثير من النخب المترفعة عن العصبيات بصدق والمتحرّرة من تأثيرها، بحيث تبدو الطائفية وهي تحتضر كمشروع سياسي متجذرة في اللاوعي الثقافي العابر للطوائف.
يبدو لبنان في مأزق صعب بين ماضٍ لا يعترف بعدم قدرته على الحياة ومستقبل لا يملك القدرة على الولادة. ويبدو تخفيض التوتر الطائفي وتخفيض منسوب الخطاب المنطلق من العصبيات معيار الصدق في الخطاب المنتمي جدياً لمشروع الدولة المدنية، كما يبدو المعيار لصدقية الانتماء الوطني هو التمييز بين اللعبة الطائفية وأمراضها والموقف من المقاومة والسعي لتأمين حمايتها وحصانتها، والقدرة على معرفة الهجوم الذي يستهدفها ولو لبس ثوب استنهاض عصبيات طائفية.
المدنيّون الحقيقيون واللاطائفيون الفعليون والعلمانيون الصادقون، هم الذين يقولون إنهم سيحمون المقاومة من كل استهداف مهما كانت عناوينه ويعرفون أهدافه الحقيقيّة، وهم الذي يرفضون كل تصعيد في التوتر الطائفي، حتى لو جاءت من أطراف محسوبة على خيار المقاومة أو تحالفاتها، ويتمسكون بالدعوة لصيغة حكم خارج القيد الطائفي بعيداً عن الانتقائية أو الاستثمار الإعلامي والسياسي.