آفاق حل نزاع الغاز في المنطقة عقب إعلان منظمة غاز شرق المتوسط
شهدت القاهرة توقيع الميثاق الخاص بمنتدى غاز شرق المتوسط بمشاركة 6 دول تطل على البحر الأبيض المتوسط، لتحويل المنتدى إلى منظمة إقليمية.
وجاء توقيع هذا الميثاق بعد أن كانت كل من مصر وإيطاليا وقبرص و»إسرائيل» واليونان والأردن قد أعلنت في كانون الثاني إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، بهدف تأسيس منظمة دولية تحترم حقوق الأعضاء في مواردها الطبيعية بما يتفق مع القانون الدولي.
وحول أهمية توقيع الميثاق وتحويل المنتدى إلى المنظمة، قال خبراء إن «تحويل منتدى غاز الشرق الأوسط إلى منظمة إقليمية رسمية مقرها القاهرة يعطي الانطباع أن هذه الدول ستتعاون فيما بينها بشكل أكبر، وستحاول تعزيز القيمة المضافة للغاز المتوافر في هذه المنطقة الغنية بالغاز، وستحاول هذه الدول أن تبرز الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه في الأسواق العالميّة».
ويعتبرون أن «المنظمة تختلف عن المنتدى بكون الأخير إطاراً عاماً ليست له أية إلزامية، قد يعقد وقد لا يعقد سنوياً، لكن المنظمة هنا ستكون مثل أوبك، وستحاول أن تتصل بالمستهلكين وأن تلبي الطلبات وتحقق مزايا عديدة لأسواق الغاز العالمي».
وأضاف خبراء: «كان المنتدى غير ملزم للدول في قراراته، والآن عندما تحول إلى منظمة أصبح هناك ميثاق تلتزم به جميع الدول، وهو الفرق الأساسي بين المنتدى والمنظمة، وهي أول منظمة دولية تعنى بالغاز الطبيعي في العالم».
والمعلن حالياً من أعضاء المنظمة هو السعي لتخفيف تكاليف نقل الغاز، والجميع يعلم بأن هناك خططاً لمد أنبوب نفط واصل بين آبار المتوسط إلى قبرص ومن ثم إلى اليونان، وهذه المنظمة تسعى إلى أن يكون هناك تعاون بين هذه الدول لإيصال الغاز إلى أوروبا. وأيضاً وضع منظومة جديدة لتقليل سعر الغاز المبيع، بحيث يكون مسعراً على خلاف الآلية القديمة عندما كان الغاز مرتبطاً بسعر النفط، وكان هنالك في الاجتماع أيضاً السعي إلى الحد من مطامع الدول الأخرى والمقصود هنا تركيا، والحفاظ على مصالح هذه الدول، وإيصال الغاز إلى دول المنطقة بأسعار معقولة وبكفاءة».
ويتفق الخبير البترولي المصري الدكتور رمضان أبو العلا مع ما قاله الخبراء السابقون حول أهمية هذه الخطوة، ويتابع: «يجب أولا التفريق بين المنتدى والمنظمة، فالمنتدى مثل المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يعقد في دافوس في سويسرا، أما المنظمة مثل الاتحاد الأوروبي أو جامعة الدول العربية وهي منظمات دولية حكومية».
ويضيف: «الفارق يكمن في الثقل السياسي في هذا التحول، وتحليلي الشخصي أن ما حدث هو رسالة سياسية بامتياز، لكل مَن يحاول التحرش في الدول الأعضاء في هذا المنتدى، بالإضافة إلى كونها رسالة إلى شركات البترول العالمية حتى تعلي الثقة لدى تلك الشركات لضخ المزيد من الاستثمارات في منطقة شرق المتوسط».
وكانت السنوات الأخيرة قد شهدت صراعاً على النفوذ في مناطق الغاز في شرق المتوسط، ووصل التوتر إلى درجات عالية الخطورة مع التلويح باستخدام القوة من قبل بعض الأطراف، وعن إمكانية تبدّل موازين القوة ورجحانها لصالح أحد الأطراف يشك الدكتور الصبان بإمكانية تغيير ميزان القوى. ويضيف: «سيستمر الوضع على ما هو عليه، وهذه الدول التي يشملها الغاز المتواجد في شرق البحر الأبيض المتوسط ستستمر في الدفاع عن مصالحها، وستكون وحدة واحدة، ضد أي دولة أو دول أخرى تحاول أن تنتزع منها هذه الاحتياطيّات».
فيما يرى خبراء أن «هناك تغيراً سيحدث في ما يتعلق بالقوة في شرق المتوسط»، ويفسرون قولهم: «هذه الدول بينها معاهدات بحرية عدا الأردن لكونها لا تطل على البحر الأبيض المتوسط، وهذه المعاهدات نظّمت العمل بين هذه الدول، والموضوع برمّته مقبول من الجانب الأوروبي».
ويتابعون: «لكن هذا الأمر على المدى الطويل ممكن، لكن على المدى القصير والمتوسط صعب المنال، بسبب وجود عقبات أمام مد الأنبوب المنوي إنشاؤه بين «إسرائيل» وقبرص واليونان، منها الخلافات على الحدود البحرية».
وبحسب الخبراء «عندما نعلم أن فرنسا طلبت أن تكون عضواً في هذه المنظمة والولايات المتحدة طلبت أن تكون عضواً مراقباً، نرى أن هناك اهتماماً من جهات عدة ودول كبرى، لكن استثناء بعض الدول في محيط البحر المتوسط مهمة كسورية ولبنان والجزائر وليبيا، يجعل من هذه المنظمة سياسية أكثر منها اقتصادية وللغاز الطبيعي».
وكذلك يعتقد الدكتور رمضان أبو العلا، ويقول: «لقد علمت مؤخراً بأن أوغلو يقول بأنه يمدّ يد التعاون إلى مصر، من أجل أن تعيد ترسيم حدودها مع تركيا، فتركيا لم توقع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، فمصر بتوقيعها تركيا ترمي بكل الاتفاقيات الموقعة مع قبرص واليونان ومنتدى الغاز، وهذا التصريح الهدف منه عمل نوع من التأثير السلبي على هذا المنتدى».
ويضيف: «ما يجري من الجانب التركي من إرسال سفن للتنقيب على الغاز، هو استعراض فارغ لأسباب عدة، أولها لا يمكن التنقيب في المياه العميقة إلى من خلال شركات عالمية معروفة، وتركيا لا تملك هذا النوع من التقنيات، وإنما هي فقط ترسل سفينة ويقومون بتصويرها فقط».
ويواصل أبو العلا حديثه: «الأمر الثاني هي أن المنطقة التي تبحث فيها تركيا لا يوجد فيها أي نوع من الرواسب التي يمكن أن تحوي الغاز فيها، وهي موجودة في منطقة نحن كخبراء نعرفها، والمنطقة التي تبحث فيها تركيا بعيدة كل البعد، ولكن تريد أن تضع قدماً في منطقة شرق المتوسط بشكل أو بآخر».
وبعد إجماع معظم الخبراء على أن هذا المنتدى موجّه بشكل أساسي ضد تركيا، علق الخبراء عن رد الفعل التركي، بالقول «بطبيعة الحال تركيا ستكون منزعجة لعدم ضمها إلى هذه المنظمة، وبالتالي فإن الصراع سيكون كبيراً بين تركيا وهذه الدول، في سبيل الضغط للحصول على نصيب أكبر من غاز شرق المتوسط، وأعتقد أن المرحلة طويلة ولن تكون بالسهولة التي تعتقدها تركيا، وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى مزيد من الانقسام والتوتر بين تركيا وبين هذه الدول».
كما أن هناك إشارات عدة بالنسبة لردة فعل تركيا، وما نراه في الإعلام هو أن تركيا لم تولِ اهتماماً كبيراً لهذه المنظمة، وبأن هذه المنظمة موجهة أساساً ضد تركيا، ولتهميش الدور التركي حتى لو كان لها حقوق في شرق المتوسط، وهي الأساس المقصود من هذه المنظمة.
أما الخبير المصري أبو العلا فيقول: «تركيا حالياً في موقف لا تُحسد عليه بعد هذا التجمع الذي يحظى باحترام المجتمع الدولي وله ثقل سياسي، وتدخل فيه إيطاليا وفرنسا واليونان وقبرص، وكلهم أعضاء في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى دخول الولايات المتحدة الأميركية، وكل هذا سيجعل الضغط كبيراً على تركيا، لأنها ستخسر جميع هؤلاء لو حاولت التحرّش بأي عضو من الأعضاء في المنتدى».
وعن أفق حل النزاع حول الغاز في شرق المتوسط، يقول الخبراء: «لا بديل إلا أن يتم حل هذه المشكلة القائمة بالطرق السلميّة، فالصراع العسكري لا مكان له في هذه المنطقة، فلو اشتعلت هذه المنطقة ستؤدي إلى خسارة كبيرة على جميع الدول، لذلك التعاون والمحاولة للتفاهم سلمياً بين هذه الدول وتركيا قد يكون هو السبيل الأمثل، وإذا ما تم حل هذه المشكلة فسيتم ضم تركيا إلى هذه المنظمة لو ثبت أن لها بعض الاستحقاقات في هذه المنطقة الهامة».
وفيما يرى الخبراء بأن الخطوط متشابكة في هذا النزاع، فإنه بالأساس بين قبرص واليونان من جهة وتركيا من جهة أخرى، وكيفية تفسير قانون الحدود البحرية والاقتصادية للبحار، فكل جهة تفسر القانون من ناحية مصالحها.
كما ترى قبرص واليونان بأن لهما الحق بامتلاك جميع المساحات البحرية إلى أبعد جزيرة، وهناك جزر تبعد عن اليابسة اليونانية أكثر من 500 كم، وتضم بحر إيجة بالكامل ما يجعله يونانياً خالصاً، والجانب التركي يرى أن هناك قانون الجرف القاري، ومن غير المعقول أن تكون جزيرة قريبة من الشواطئ التركية تحاصر تركيا في حدودها الاقتصادية البحرية.
لكن تركيا مصرة أن يكون لها حدود بالمناصفة دون الأحقية بامتلاك الجزر، بل فقط بامتلاك المياه البحرية، واستبعاد وجود هذه الجزر، وهناك محادثات حالياً بين الناتو وتركيا، وهناك تقارب في وجهات النظر نوعاً ما، بحيث قد يكون هناك اتفاق معين.
وعلى العموم الغاز الموجود في هذه المنطقة لا يكفي حاجة الاتحاد الأوروبي، ولو كان هذا الخط موجوداً الآن فهو يلبي فقط 10% من حاجة أوروبا، وبالتالي لا بد لأوروبا أن تكون معتمدة على الغاز الروسي إن كان عن طريق «نورد ستريم 1» أو «نورد ستريم 2» في بحر البلطيق.
أما الخبير المصري رمضان أبو العلا فكانت له نظرة أكثر تشاؤماً حول الموضوع، ويقول: «لا أرى أي آفاق للحل، ويكون الحل بأن تبدأ تركيا في تغيير سياستها، وتحديداً من ناحية مصر واحتضان جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، بالإضافة إلى تعاونها مع قطر ضد مصر».
ويختم حديثه: «لكي تبدأ تركيا علاقات طيبة مع مصر يجب عليها حل كل هذه الملفات، وأن تظهر حسن النيات، وتركيا تعلم كيف يمكن أن تظهر حسن نيتها، ولو فعلت ذلك عندها سيكون هناك حديث آخر».