بديل الأحاديّة الأميركيّة جاهز بمباركة من الأمم المتحدة!
د. وفيق إبراهيم
يحاول النفوذ الأميركي العالمي محاربة الموت بعد نفاد طاقاته وتحوّل إمكاناته الى صراخ وضجيج فقط من دون فاعلية ميدانية حقيقية.
هذا لا يعني أنه خسر موقعه الأول في العالم عسكرياً واقتصادياً، لكنه استهلك قدرته على التأثير في الأزمات المتنوّعة.
فلم يعد بوسعه الإمساك بها عسكرياً أو سياسياً مدركاً حالة العجز عن الدفع نحو تسويات خاصة بها مع قوى دولية أخرى.
فلا يكاد هذا النفوذ يتحايل في جهة من العالم حتى يُصاب بإحباط في مناطق أخرى، لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقدراته على التمثيل والتهريج وإطلاق كميات كبيرة من الادعاءات الفارغة يمنح هذه القطبية الأميركية فرصة لإطالة مرحلة احتضارها.
بذلك يتمكن من الفوز بولاية رئاسية ثانية في انتخابات تشرين الثاني المقبل.
إلا أن الوقائع تكشف ان الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة في الأمم المتحدة أظهرت وجود حالتين اثنتين: مئات النزاعات في مختلف القارات لا يجد الأميركيون لها حلاً لا سلماً ولا حرباً ولا سياسة.
والحالة الثانية هي انقسام مجلس الأمن الدولي على خلفيّة هذه الصراعات بين أربع دول تتوحّد على رفض آليات الحلول الأميركية مقابل دولة واحدة في مجلس الأمن هي الولايات المتحدة الأميركية التي تتهم الدول الأربع الأعضاء في مجلس الأمن الدولي روسيا والصين وفرنسا وانجلتره، بتفخيخ الدور الأميركي حتى أن ترامب اتهم الصين في كلمته الأممية بواسطة السكايب بتلويث العالم بكورونا وأوبئة أخرى وتدمير التجارة العالمية والسيطرة على بحر الصين، مطالباً مجلس الأمن بالتصدي لها، كما أدان روسيا في سياساتها في روسيا البيضاء وفنزويلا والشرق الاوسط مهدداً فرنسا وانجلتره ومعهما المانيا بعقوبات اذا اخترقت عقوبات بلاده المفروضة على إيران. وذهب ناحية إيران فأطلق عليها مئات الاتهامات الشرق أوسطية والعالمية، مندداً بفنزويلا وصولاً الى الحزب الديموقراطي الأميركي الذي يطلق عليه لقب الحزب الشيوعي الاشتراكي.
لقد عكس خطاب ترامب الأزمة العميقة للنظام القطبي الأميركي المصاب بشلل يجعله معادياً لكل الأزمات العالمية.
وهذه حالة لا تعود الى مجرد ضعف بنيوي متراكم في البنى السياسية والعسكرية والاقتصادية لهذا النظام، فهي حسب ما يقوله ترامب يزداد قوة حتى أنه يتباهى بأن بلاده تمتلك أقوى جيش في العالم، انفق الاميركيون عليه 2 بليون ونصف بليون دولار خلال السنوات الأربع المنصرمة.
أين مشكلته اذاً؟
تكمن في الصعود التدريجي للمنافسين الصيني اولاً ويليه الروسي واخيراً الجناح الغربي من الاوروبيين الذين ازداد اقتناعهم بأن أسباب تراجع دولهم هي الولايات المتحدة الأميركية بسياساتها الاحتكارية التي لا تتيح لا لعدو أو صديق بالاستفادة الاقتصادية. يكفي ان فرنسا تمكنت منذ سنتين من توقيع معاهدات اقتصادية لشركاتها مع الاقتصاد الإيراني وفعلت مثلها انما بدرجات أقل المانيا، وكادت بريطانيا ان تحذو حذوهما لولا صدور امر اميركي منع هذه الدول الأوروبية عن التعامل مع الجمهورية الإسلامية فانسحبت على الفور، وتبين لها ان الأميركيين يفاوضون سراً قيادات إيرانية حول تسوية بين بلديهما تقوم على إيلاء الشركات الأميركية الموقع الاساسي في العقود الاقتصادية المتنوّعة واكتشفت أن الأميركيين الذين أرغموا الكثير من الدول العربية على مشاركتهم في غزو الشرق السوري وشمال العراق استحصلوا لشركاتهم على عقود نفطية كثيرة في مناطق قرب كركوك العراقية منظمين بالقوة العسكرية سرقة منظمة ومتواصلة لنفط الشرق السوري بالتعاون مع الأكراد والانفصاليين من دون اي مساهمة لدول التحالف الدولي الأوروبية الموجودة في المكان عسكرياً.
كما لاحظ الأوروبيون أنهم دمى بيد أميركيين يعملون أيضاً على الهيمنة الاقتصادية على البحر المتوسط بمياهه وسواحله محاولين اختراق النفوذ الفرنسي – الأوروبي في أفريقيا.
إن هذه الاختلافات العميقة ظهرت بشكل واضح في الدورة الأممية الخامسة والسبعين التي كشفت بوضوح أزمة القطبية الأميركية وحرصت الرباعية الأممية في مجلس الامن الروسية والصينية والفرنسية والبريطانية الممثلة فعلياً لأوروبا للدفع نحو نظام عالمي جديد، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه متكوّن من مجلس الأمن الدولي اي روسيا والصين والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا عبر الثنائي الفرنسي – الانجليزي.
فيصبح النظام الدولي الجديد متشكلاً من كامل أعضاء مجلس الأمن الذي يحظى كل عضو فيه بحق «الفيتو» أي إلغاء أي قضية لا تناسبه.
من مميزات هذا النظام حاجة أعضائه الى تسويات حقيقية حول كامل المواضيع بما يؤدي الى حلول وسطى بإمكانها توفير استقرار كبير لعالم دمّرته الغطرسة الاميركية التي تحاول حتى الآن تفجيره او استغلاله، فهل يصبح مجلس الأمن هو النظام العالمي الجديد؟ هذا ما تشير اليه موازنات القوى، لكن موعده قد يتأخر أشهراً بعد الانتخابات الأميركية المقبلة.