ليبيا والمشهد الجديد… استقالة السراج ودموع أردوغان
ربى يوسف شاهين
«الربيع العربي» وتداعياته الكارثية، لم يرحم منطقة «الشرق الأوسط» من إرهابه، ولعلّ المشهد الشرق أوسطي بعموم جزئياته، يُفسّر جلياً عمق المصالح الدولية والإقليمية في ماهية هذا الربيع.
وعلى امتداد ساحات هذا «الربيع»، برزت الساحة الليبية بموقعها وتوسطها مناطق نفوذ إقليمي ودولي. ليبيا البلد الغني بثرواته النفطية ومساحاته الواسعة، لم يكن بمنأى عن مسرح الصراعات الداخلية والخارجية، والذي أدّى إلى انقسام الأطراف الليبية الى فريقين، وكلّ منهما بدأ بتركيب اصطفافات تناسبه وفقاً لتوجّهاته الايديولوجية ومصالحه السياسية، لتعمّ الفوضى في عموم ليبيا.
بعد صراع مرير بين قوات خليفة حفتر وفائز السراج، بدا المشهد السياسي بتفوّق فريق على آخر عسكرياً، وبالتالي سياسياً، فـ المُشير خليفة حفتر الذي يُعتبر حليفاً لروسيا وفرنسا ومصر والإمارات، يقابله فائز السراج الحليف لأردوغان، ووفق ما يتمّ إعلانه سياسياً من خلال الوقائع على الأرض، كان الدعم التركي للسراج دعماً لوجستياً وعسكرياً، وقد تزايد هذا التدخل، عبر دخول اقتصاديين ورجال أعمال أتراك، بغية الاستثمار في ليبيا، والاستفادة من التوغل التركي في الملف الليبي.
لكن الإعلان المفاجئ عن إمكانية استقالة رئيس حكومة الوفاق فائز السراج وفق مجموعة «بلومبيرغ ميديا»، والذي أكده السراج في مقابلة إعلامية بانه «سيترك السلطة قريباً»، فإنّ لهذا القرار انعكاسات على المستويات كافة على رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان.
يُمكننا قراءة تداعيات استقالة السراج من رئاسة الوفاق وفق مناحي عدة:
{ أظهر إعلان الاستقالة عدم جدوى قوة الدعم المقدّم من قبل أردوغان لحكومة الوفاق، نتيجة الاحتجاجات الشعبية في غرب ليبيا، جراء سوء الأوضاع المعيشية ونتيجة الضغوطات الأجنبية.
*نتيجة السياسة التي اتبعها جنود أردوغان من المرتزقة الإرهابيين بحق الشعب الليبي، عكس الأوجه السلبية لهذا التحالف مع السراج، فـ الصراع الليبي هو صراع داخلي ليبي ليبي.
{ إنّ ما يجري على الأرض الليبية نتيجة تواجد المرتزقة الإرهابيين، قد فتح الأبواب لنشوء جماعات أخرى متمرّدة، مما قد يُدخل البلاد في فوضى عارمة، ناهيك عن الصراع بين قوات حفتر والسراج.
{ الدلالة على أنّ العلاقة التحالفية بين حفتر وحلفائه، أقوى شعبياً، نتيجة الانتهاكات التي فرضها التواجد التركي على الساحة الليبية، وايضاً فإنّ عموم الليبيين أدركوا خطورة المخطط التركي، الأمر الذي شكّل ضغطاً شعبياً على حكومة الوفاق.
{ ضعف الموقف التركي نتيجة تعدّد الملفات الجيوسياسية الشائكة، التي يتحملها أردوغان بالنسبة لليبيا وسورية والعراق.
{ العنجهية التركية في الاستعراض العسكري البحري، حيث أبحرت سفينة بحرية تركية قبالة سواحل ليبيا، لتكون على شفا الصدام المسلح مع سفينة حربية فرنسية، الأمر الذي قرأه الجميع على أنه تهوّر تركي جراء التدخل في الشأن الليبي، وضرورة وضع حدّ للممارسات التركية في عموم شرق المتوسط.
{ خسارة أردوغان ليس فقط لساحة صراع وساحة عمل أمني وإستخباراتي، بل أيضاً ساحة عمل ونشاط اقتصادي لكبرى الشركات الاقتصادية التركية.
{ تجميد الاتفاق البحري الذي وقع مع حكومة الوفاق الليبية في 2019، وبالتالي حدوث صدمة سياسية دبلوماسية خطيرة في حال انتخاب طرف معادي للسياسة الأردوغانية، ما يعني خسارة مدوية لاستثمار أردوغان لوثيقة الاتفاق، لتبرير التدخل في شرق البحر المتوسط.
في المحصلة قد لا نرى دموع أردوغان في حال استقال السراج، ولم يستطع ثنيه عن قراره، ولكنه سيذرفها حتماً، لأنّ خسائره باتت تتالى، نتيجة سياساته المتخبّطة والغير مدروسة في الشرق الأوسط…