كيف تحمي «فلسطين» قضيتها؟
د.وفيق إبراهيم
الاتفاق الفلسطيني بين منظمة فتح وحركة حماس أكبر من مجرد تنظيم انتخابات نيابية لتعزيز شراكتيهما في السلطة السياسية.
قد تكون الانتخابات «المتفق» مسبقاً على نتائجها، ضرورة ولازمة، إنما ليس لتقاسم الكعك على الطريقة العربية.
هناك سعي من فتح وحماس لإعادة إنتاج شراكة شعبية الى حدود الاندماج لمجابهة أعنف مرحلة تمرّ بها القضية الفلسطينية، وتتعلق بانهيار خليجي متدرّج بدأ بتطبيع علاقاته الدبلوماسيّة مع الكيان المحتل ممارساً نفوذه في جذب بلدان عربية أخرى كحال السودان وجزر القمر وعمان وقطر والمغرب الى تطبيع مماثل لتعميم الانهيار العربي، وصولاً إلى إلغاء القضية الفلسطينية وحصرها بجزء من الضفة وقطاع غزة.
يكفي أن الأميركيين المصرين على إنهاء قضية فلسطين لتجذير الحلف العربي الاسرائيلي في وجه إيران والصعودين الصيني والروسي، عرضوا ايضاً سحب قواتهم من العراق باستثناء كردستان، مقابل تطبيعه مع العدو الاسرائيلي. معلنين عن استعداد لإلغاء العقوبات الأميركية والدولية على السودان مقابل تطبيعه أيضاً.
لذلك أوقف الفلسطينيون صراعم على النفوذ الداخلي بين غزة والضفة، مستشعرين ضراوة المشروع الاميركي الخليجي الاسرائيلي أكثر من اي مرحلة سابقة.
فالرئيس المصري السابق السادات الذي استسلم لـ»اسرائيل» في معاهدة كامب ديفيد في 1979، لم يدرك بخطورة ما فعله خطورة ما تفعله السعودية وحلفاؤها.
لكن للداخل الفلسطيني المتمثل بحماس وفتح وبالتالي كل الحركات الاخرى من الجهاد والشعبية والديموقراطية والسلطة الفلسطينية ومعها رئيسها محمود عباس الذي عاد إلى رشده..
هؤلاء مجتمعين اتجهوا لمجابهة المشروع الصهيوني الخليجي الجديد بالاتفاق الداخلي وإعادة بناء تحالفات عربية ودولية تتلاءم مع المرحلة الجديدة.
بذلك تظهر الانتخابات المرتقبة بعد ستة أشهر وسيلة لإلغاء التبابين الداخلي نهائياً بشكل تكون فيها كل القوى السياسية الفلسطينية موجودة حسب أحجامها، عبر الطريقة النسبية للانتخابات التي لا تسمح بهدر أي تمثيل مهما كان متواضعاً.
إن أهمية هذا العلاقات الانتخابية أنها تلغي عقداً من الصراعات بين حماس وفتح وجمهوريهما كما تُعيد الوصل رغم الانفصال الجغرافي بين غزة والضفة بالخطة المشتركة والسياسة وتوحيد التحالفات الخارجية وإلغاء ما أصبح مسيئاً لتاريخية القضية الفلسطينية ومستقبلها.
هذه الإشكالات الفلسطينية أسست لرئيس السلطة محمود عباس علاقات جيدة بالثنائي السعودي ـ الأميركي، مضيفاً إليها تنسيقاً جيداً مع العدو الاسرائيلي بذريعة تأمين حماية وتمويل اقتصادي للضفة الغربية. ما استتبع صراعاً عميقاً بين السلطة من جهة وحركة حماس في غزة التي تحالفت مع تركيا لارتباطهما المشترك بالاخوان وأمنت دعماً لها من قطر وإيران.
يبدو إذاً أن اتفاق فتح ـ حماس ينهي هذه الخلافات الداخلية دافعاً نحو جهادية فلسطينية شعبية تمنع إلغاء قضية فلسطين، كما يريد المطبّعون مع «اسرائيل» من الحلفاء العرب للأميركيين.
لكن هذا الاتفاق الداخلي يحتاج الى غطاء عربي وازن وعلاقات دولية وإقليمية راسخة.
على المستوى العربي، هناك اعتراف بأن قضية فلسطين هي منذ 1990 تقريباً، غزة والضفة الغربية وسورية وحزب الله بدعم إيراني وصمت معظم العرب والدول الإسلامية، وصولاً إلى حدود فرار تركي حتى من الموقف السياسي المؤيد لقضية فلسطين إلا عند الضرورات الكبرى.
فإلى أين يذهب هذا الحلف الفلسطيني في عملية تأمين علاقاته الخارجية؟
لديه إشكال ضخم مع الدولة السورية التي عانت من انحياز محمود عباس كسلطة ومنظمة فتح الى تأييد الدور السعودي ـ الخليجي المعادي لسورية الى درجة دعم تحرّك فلسطيني معادٍ للرئيس الاسد في بعض مناطق دمشق وضواحيها حيث ينتشر فلسطينيون.
أما حماس فلعبت دوراً أكثر خطورة بانحيازها الى مشروع الاخوان المسلمين ومنظماتهم الإرهابية وتحالفاتهم في البداية مع القاعدة وداعش، وصولاً إلى هيئة تحرير الشام.
هذا عسكرياً، ويرتبط بتأييد سياسي كبير وعلني ومستمر كانت تعلنه «حماس» بحماسة مفرطة تارة من قطاع غزة وأكثر المرّات من قطر بشكل بدت فيه وحتى الآن جزءاً من المشروع التركي ـ القطري المستهدف للدولة السورية ولا يزال يحتل قسماً من أراضيها في غربي سورية ومناطق خطوطها الحدودية معها.
المطلوب إذاً، أن تقطع حماس مع المشروع التركي ـ الاخواني في سورية، فتصبح عودتها الى سورية قلب الشرق وعنوان صمود القضية الفلسطينية، مرحَّباً بها، في إطار الدعم الدائم للقضية الفلسطينية.
فهل تذهب حماس نحو هذه الوجهة؟
لا أحد يطالبها بالتخلي عن «اخوانيتها» لكل كل المخلصين يعتقدون أن تراجعها عن دعم مشاريع تدمير الدولة السورية هو المدخل الى صون القضية الفلسطينية في إطارها التاريخي السوري ـ العربي بدعم من إيران وكل الدول التي تستطيع المجاهرة بعداء «إسرائيل» وداعميها.