هل يسمح الأميركيّون للفرنسيّين باستكمال مبادرتهم؟
} د.وفيق إبراهيم
الفرنسيّون مصرّون على إعادة تجديد مبادرتهم السياسيّة في لبنان، لارتباطها بمعارك الطاقة في البحر المتوسط، والعودة الى لبنان الفرنكوفوني، الذي يشكل طريقاً مفتوحة نحو بلاد الشام والعراق وإيران.
لذلك يبدو جلياً، ان استهداف مبادرة الرئيس الفرنسي ماكرون، جرى تصنيعه باستعمال آليات داخلية تتلقى تعليماتها كالعادة من الخارج السياسيّ.
للتوضيح فإن الدور الإقليمي لحزب الله وتحالفه مع رئيس المجلس النيابي، نبيه بري يتيحان لهذين الحليفين ادارة المعركة الداخلية من دون ترقب أي وحي إقليمي، فيما ترتبك القوى اللبنانية المنتمية الى حركة 14 آذار بكاملها الى دائرتي النفوذ الاميركية السعودية، أما التيار الوطني الحر، فأصيب رئيسه جبران باسيل بذعر عميق من العقوبات الأميركية التي أصابت سياسيين من احزاب أخرى. فالتزم صمتاً يراقب من خلاله التطورات واختفاء عن الحركة السياسية ـ الإعلامية.
كان لا بد من هذا التوضيح لتفسير الدور الاميركي ـ السعودي في اعتذار السيد مصطفى أديب عن تشكيل الحكومة، بما يمثله أيضاً من دور فرنسي، يغطيه، وهذا يعني ان الاصابة الاساسية من رحيل أديب كانت للفرنسيين، فمن الذي سدّدها؟ وهل هناك أمل بتجديدها؟ وهل تستطيع انتاج حكومة متماسكة، تعاود انقاذ لبنان سياسياً واقتصادياً؟
هناك ثلاثة مؤشرات تكشف المستور، فالشروط التي وضعها أديب حول حقه الحصري في تسمية الوزراء غير قابلة للتطبيق في لبنان، فإذا كان جاهلاً بهذه المعادلة، فإن الذين لقّنوه إياها يعرفون أن القوى اللبنانية الأخرى لن تقبل.. ما يدفع عملية التشكيل الى الانهيار.
فكيف يمكن للسياسيين اللبنانيين ان يسمحوا لأديب ومعه أربعة رؤساء وزارء سابقون باختيار التشكيلة الحكومية من أشخاص يقولون انهم «مستقلون»، فكيف التأكد من استقلاليتهم وهم الذين يختارهم الحريري والسنيورة وشركاؤهم؟
لجهة حزب الله وحليفه الرئيس بري بالإضافة الى حذرهما من التأثير على السياسة الداخلية، فيعملان على تعطيل المحاولة الخارجية الظاهرة في اقتراحات أديب، لعزل حزب الله والرئيس بري وتطويقهما بشبكة سياسية داخلية معادية لهما.
هذا ما دفعهما الى الإصرار القوي على تسمية مرشيحهما من الوزراء في محاولة ارتدت لبوساً شيعياً لضرورات التحشيد الداخلي، لكنها أرادت مجابهة القوى الخارجية التي تقف خلف أديب وتعمل على الإطاحة بحزب الله للوصول الى التطبيع مع الكيان المحتل عبر إلغاء أدواره الجهادية في لبنان والاقليم.
ما يجيز السؤال عن هوية المفجرين الذين اطاحوا بأديب معرقلين المبادرة الفرنسية، ليتبين انها السياسة الاميركية ـ السعودية التي اعتمدت على نادي رؤساء الحكومات السابقين لتفخيخ مبادرة أديب، فإما ان تذهب الى انتاج حكومة تعادي حزب الله غير الممثل بها أو تنفجر؛ وهذا ما حدث.
اليس هذا تصويباً مباشراً على جهات لبنانيّة تمسك بنفوذ نيابي وشعبي وازن؟ وهو أيضاً إطاحة تدريجية للمبادرة الفرنسية من أصدقائهم الأميركيين عبر الحريرية السياسية لجهة الأمل بتجديدها. فالأمر ممكن، لكنها لن تزيد كثيراً عن الشروط التي تبنتها سابقاً، فهناك عشرات القوى السياسية الجاهزة للاعتراض والمماحكة لتلبية أوامر أميركية سعودية، وخطاب الملك سلمان الأخير الى الأمم المتحدة وضع حظراً على اي تعاون من حلفائه اللبنانيين مع حزب الله «الإرهابي»، على حد زعمه، مشدداً على تجريده من سلاحه وإلغاء ادواره السياسية والجهادية؟ الى جانب الاصرار الاميركي على الشروط نفسها، فكيف يمكن لأي رئيس وزراء تشكيل حكومة فيها وزراء لأمل ـ حزب الله، مع بيان وزاري يضع في مقدمته ثلاثية التعاون المقدس بين الشعب والجيش والمقاومة أن تباركه السعودية ويغطيه الأميركيون؟
المبادرة الفرنسية إذاً في أزمة من صناعة اميركية ـ سعودية، ولا يمكنها تجاوز هذه المعوقات، لأن الفريق السني الأساسي المتشكل من الحريرية السياسية والأكثر تطرفاً منها، يرتبط بنيوياً بالموقف الأميركي ـ السعودي، وقد يخفي سعد الحريري بعض الحنين الى السياسة الفرنسية، لكنه لا يغامر بتأييدها منفرداً إلا إذا استشعر ان الاميركيين اصبحوا بحاجة ماسة اليها، وهذا ما لا يظهر حتى الآن..
لربما يراهن الاميركيون على دفع لبنان الى فوضى تدميرية اذا لم يتمكنوا من عزل حزب الله، وعودة الارهاب الى مهاجمة الجيش اللبناني في مناطق تقول الحريرية انها موالية لها، تثير الريبة والشكوك، خصوصاص وأن القوى الحريرية تصمت عن إدانة هذه القوى الارهابية ولا تدعو انصارها في الشمال اللبناني الى الامتناع عن تغطية هؤلاء الارهابيين او التعاون معهم، وسط تظاهرات يشارك فيها الحريريون في بيروت تطالب باطلاق سراح الاسير الذي قاد حرباً إرهابية على الجيش في مدينة صيدا.
بذلك يتضح ان المبادرة الفرنسية تمتلك مصلحة عميقة في اختراق السياسة اللبنانية، لتعزيز الدور الفرنسي ـ الاوروبي في الشرق الاوسط، لكنها لا تجد تسهيلات من جانب اميركي يشجعها بمعسول الكلام والبيانات، ويعمل بشكل فعلي لاستعمالها «لتقطيع وقت» حتى انتهاء الانتخابات الاميركية في تشرين الثاني المقبل.
فهل يذهب لبنان الى فوضى تدميرية؟ قسم كبير من هذا السؤال هو في حوزة القوى اللبنانية التي يجب عليها التوصل الى حل كبير لانقاذ لبنان وهذا صعب جداً.