هل يَتصدّعُ لبنان؟
د. وفيق إبراهيم
ترتفع أصوات قوى سياسية لبنانية، تطالب بلامركزية موسعة لأقاليم طائفية متنوّعة بذريعة حماية خصوصيات هذه المناطق من الخطر الذي يجسّده حزب الله بسلاحه، على حد زعمهم.
يتزامن هذا الصخب والضجيج مع فشل المحاولات الفرنسية وقبلها الأميركية في تطبيق مشاريع سياسية لإلغاء كامل التغييرات التي قلصت من الهيمنة الخارجية على لبنان الكبير.
هذا نتج بالطبع من الصعود الإقليمي لحزب الله الذي تلا انتصارات له في تحرير الجنوب وإحباط الإرهاب الداخلي.
فبقي النظام السياسي طائفياً إلا أنه جنح للتوازن الداخلي بين الأحزاب الطائفية وذلك بعد هيمنة مارونية وأخرى حريرية سنية.
إن أهمية هذا التوازن بين القوى الداخلية انعكست بشكل خاص على السياسة الخارجية للبنان، بشكل لم تعد اي قوة لبنانية تتجرأ على تبني سياسات متصالحة مع العدو الإسرائيلي كما حدث في مرحلة السبعينيات والثمانينيات مع حزبي الكتائب والقوات بالتعاون مع فريق إعلامي وسياسي كبير أيّد هذا التقارب بالتطبيل والتزمير.
لذلك، فإن اصطدام النفوذ الأميركيّ بصلابة لبنانية رافضة له وانكسار المبادرة الفرنسية باعتذار خيارها لتشكيل حكومة جديدة برئاسة مصطفى أديب، هما العاملان اللذان يدفعان القوى الخارجية الى التفتيش عن وسائل داخلية لبنانية أكثر إرهاباً للنيل من ادوار حزب الله.
فإذا كان التهديد بالعقوبات الأميركية أرعب بعض قيادات التيار الوطني الحر دافعاً بالسلوك الجنبلاطي الى البروز بشكل حمل وديع غير متطلب، ومحرّضاً الكتائب على الانتفاضة في وجه حزب الله ناشراً الذعر في معظم التجمعات النيابية من كل الطوائف، فإنه استثار في الوقت نفسه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي بدا بتنظيم هجوم مضاد على العقوبات متوغّلاً في تحالف عميق مع حزب الله، بدأ كثير القوة عند معظم القوى الحزبية للطوائف، ومنيعاً الى درجة إمساكه بقرار تشكيل أي حكومة مرتقبة أو منع تشكلها.
هذه القوة لحلف بري – حزب الله لا تزال هي العائق النوعي المتمكن الذي يمنع إسقاط لبنان السياسي ضمن الآليات الأميركية التي لا تزال تهاجم بضراوة الدولة السورية والدور الايراني الإقليمي ودولة صنعاء لأنصار الله الحوثيين، كما تبذل جهوداً كبيرة لتفجير العراق وإلغاء اي دور للحشد الشعبي الذي يشكل اهم قوة عراقية تجمع بين النفوذ الشعبي والدور السياسي الرسمي.
هذه التطورات تدفع الى الاعتقاد ان الضربة الأميركية المقبلة على لبنان، هي جملة عقوبات من شأنها اصابة عدد من سياسيي حركة امل كإنذار أميركي أخير للرئيس بري على صموده الوطني الكبير الى جانب حزب الله، وقد تشمل هذه العقوبات بعض المقربين من بري شخصياً وشخصيات سياسية من المحور الداخلي لجبران باسيل، هذا إذا لم تطله شخصياً على الرغم من انه ابتعد عن الاضواء على سبيل الوقاية من العقوبات الأميركية المحتملة ووباء الكورونا المصاب به كما أعلن منذ يومين.
ولن تستثني هذه العقوبات سياسيين من حلفاء الحزب عند السنّة والدروز وبعض القوى المسيحيّة الأخرى.
فتبدو هذه العقوبات على شكل محاولة أميركيّة أخيرة قبل دخول السياسة الأميركية في مرحلة الصمت التي تستمر الى اواخر تشرين الثاني المقبل وذلك استعداداً للانتخابات الرئاسية في الثالث من تشرين الثاني وتداعياتها التي قد تستمرّ شهراً إضافياً.
هناك اذاً تحرك أميركي أخير قبل الدخول في مرحلة السبات الانتخابي وبما أن القوى السياسية اللبنانية الموالية للأميركيين والسعوديين تدرك سلفاً مدى محدودية هذه العقوبات ففضلت البحث عن أساليب أخرى تجابه بها الأدوار الوطنية لحزب الله في لبنان وسورية.
ها هو قائد القوات اللبنانية سمير جعجع يظهر على الشاشات الإعلامية مطالباً ما أسماه فدرالية موسّعة تحت مسمّى إدارة مركزية واسعة.
وتلاه النائب سامي الجميل الذي نحا نحو المطلب نفسه، بالإضافة الى بعض المنتمين الى الحزب التقدمي الاشتراكي المؤيدين لهذه الفكرة.
ما هو غريب هنا ان هناك فدرالية لبنانية دستورية تتركز في التحاصص الطوائفي لكل شيء تقريباً، فلماذا يذهب الحديث اذاً نحو فدرالية موسعة فيتبين انها مشروع لاستحداث كانتونات تغطي انتشار الطوائف جغرافياً بإدارات مستقلة تماماً، تنال حصص مذاهبها من التحاصص الدستوري، فيصبح الوضع فدراليّة موسّعة وكاملة على المستويين الدستوري والجغرافي تتجه لأن تصبح كونفدرالية تترابط أقاليمها بخيوط واهية من السياسة والاقتصاد.
اما اهداف هذه الخطة فهي عزل حزب الله في كانتون جنوبي ضيق مقفل بكانتون معاد له في صيدا وآخر في البقاع الغربي فتتعطّل حركاته كلها، فلا امكانية للاتصال ببيروت مع عزل الجنوب عن بعلبك الهرمل والضاحية.
يتبين بالنتيجة ان لبنانيين يدعون الوطنية مستعدّون لتصديع وطنهم ودفعه نحو الخراب لخدمة المشروع الأميركي – السعودي الإسرائيلي بتجريد حزب الله من سلاحه وإلغاء أدواره.
هذا هو مشروعهم لكن لحلف المقاومة آراء أخرى من شأنها تحطيم هذه المشاريع بحماية لبنان وأهله وعلاقته بسورية.