أزمة «المساكنة» بين طائفيّة عميقة وديمقراطيّة ضعيفة
} د. وفيق إبراهيم
اللبنانيون ماهرون بابتكار التسويات عند اللزوم و»التمترس» خلف الديموقراطية والعيش المشترك في أكثر المرات، فتراهم ينهلون من المصدرين تبعاً للتطورات معتمدين على التغطية الخارجية التي تمنع انزلاقهم نحو جهنم.
أليس هذا ما حدث في تجربة الرئيس الفرنسي ماكرون الأخيرة التي بدأت باعتقاده الخاطئ ان حزب الله يشكل فريقاً من النظام الطائفي اللبناني.
لذلك، فهذه فرصة للنيل من مكانته الجهادية في الجنوب وسورية والإقليم من خلال تحميله جزءاً كبيراً من انهيار النظام الاقتصادي اللبناني، وبالتالي السياسي وما يصيب قوى النظام الطائفي ينطبق عليه.
هناك اذاً نظام سياسي لبناني يطبق نظام «مساكنة» بين طائفية سياسية تاريخية تتجذّر دستورياً وسياسياً وشعبياً وبين تقارب مع ديموقراطية يلجأ اليها في بعض الأحيان للتغطية على سقطاته المذهبية المميتة.
ما يدعو الى سؤال أساسي عن هذا الأسلوب اللبناني المستحيل الذي يجمع بين نقيضين، فكيف يمكن الدمج بين ديموقراطية تعني الغُلب السياسي واختيار الأفضل والأكثر كفاءة مع طائفية تنحصر تعاملاتها في توزيع حصص على سياسيين طوائفيين وتختار للإدارات في اطار تقسيمات مذهبية تضرب الكفاءة والجدارة لمصلحة الانتماءات المذهبيّة.
لذلك فإن ما جرى في الشهر الفائت، شكل محاولة من ماكرون الذي يترأس نظاماً فرنسياً شديد الديمقراطية لإعادة بناء لبنان ضمن معادلة فرنسية – أميركية سعودية، تذهب نحو تمتين الجزء الموالي للفرنسيين والسعوديين والاميركيين في النظام الطائفي اللبناني، وتطويق الأجزاء المعادية لـ»إسرائيل» والتحالف السعودي – الاميركي.
فكيف يمكن لهذه المحاولة الماكرونيّة أن تنجح في التعامل مع نظام طوائف تحاصص يزعم انه ديمقراطي ويمثل ثماني عشرة طائفة تمتلك تغطيات خارجية وتحالفات في الإقليم.
هذا يكشف ان هناك مجموعات سياسية استغلت مبادرة ماكرون، بالاتفاق معه او بالتحايل عليه، لتغيير معادلة الحكم الأخيرة المبنية على اساس اتفاق الدوحة في 2008 هذا الاتفاق الذي جنح نحو المثالثة في قيادة النظام بين المسيحيين والسنة والشيعة.
فإذا بمبادرة ماكرون تخفي محاولة لتعويم الحريرية السياسية وفرضها آلية أساسية ووحيدة في قيادة النظام الطائفي بما يؤدي الى استبعاد او على الأقل فرض تراجع في مواقع قيادة الدولة على التيار الوطني الحر بما هو القوة المسيحية الاولى وتحالف امل وحزب الله الذي يمسك بكامل التمثيل النيابي الشيعي.
فبدلاً من ذهاب مبادرة ماكرون الى دعم الجزء الديموقراطي الضعيف في النظام اللبناني ودعمه ليصبح أقوى من القسم الطائفي القوي، توغلت في تأزيم مشكلة لبنان التاريخي على نحو يعيد سيطرة أحادية سياسية – مذهبية على باقي المذاهب. وهذا يؤدي تدريجياً الى التأسيس لانفجارات شعبية متدحرجة نحو حروب أهلية على نسق 1958 و1975 انما بتحالفات مختلفة.
فكيف يمكن لفرنسا ماكرون أن تسمح لأربعة رؤساء حكومات سابقين ينتمون الى السياسات الحريرية – السعودية الأميركية ان يشكلوا وحدهم حكومة لبنانية فيها من كل الطوائف؟ فهذه طريقة تجمع بين ديكتاتورية سياسيين من مذهب واحد وتنسف نظام المساكنة بين طائفية وديمقراطية لمصلحة تجذير السلطة في إطار فريق سياسي واحد من مذهب واحد ومرجعية سعودية واحدة ما يؤدي الى ولادة المملكة الحريرية اللبنانية لصاحبها محمد بن سلمان برعاية فرنسية وأميركية.
هذا يكشف أن ماكرون حاول ان يتستر على مخطط أميركي – سعودي يريد ضرب أدوار حزب الله في فلسطين المحتلة وسورية مع مجابهة الارهاب من طريق انتاج آلية سياسية لبنانية تناصبه العداء ولا تتورع عن استصدار قرارات حكومية لبنانية معادية لأدواره.
ضمن هذا الإطار يجب فهم تمسك حزب الله – حركة أمل بشيعية وزارة المال، لدورها في ضبط النظام السياسي ليس فقط على مستوى توزيع النفقات، بل لجهة كونها جزءاً من معظم المراسيم والقرارات وهذا بمفرده يعطل أي توجه للتآمر على ادوار حزب الله الجهادية.
كان يفترض بماكرون ان يدفع نحو تشكيل حكومة لبنانية قوية، تؤسس لإضعاف الطائفية من نظام مساكنتها مع الديموقراطية، فتتأمن مصالح اللبنانيين على أساس مواطنيتهم وليس على أساس انتمائهم الطائفي.
لكن هذه هي مهمة اللبنانيين الذين يتوجب عليهم مزيد من الاندماج السياسي وعدم الركون الى مستعمرين قدامى هم الذين انتجوا هذا النظام الطائفي لتأمين مصالحهم… فكيف يدمّرونه؟