خريف ساخن
د. موفق محادين
اذا كانت الانتخابات الرئاسية الأميركية، تمر غالبا عبر عصف دموي وسياسي، هنا وهناك، فان الانتخابات الأميركية الوشيكة هي الاخطر على الاطلاق، من حيث ما تستدعيه من بوابات عاصفة تطال العالم كله لا بؤرة بعينها.
ذلك ما يطرح جملة من التساؤلات التي تنطوي بحدّ ذاتها على مقاربات واحتمالات أكثر خطراً من سابقاتها.
كيف سيلملم العالم الشرور التي انطلقت من صندوق باندورا (الحروب، الأوبئة، الكاورث وغيرها) وهي الشرور التي أطلقها ترامب في ذروة الأزمة المتفاقمة للرأسمالية العالمية وجعلته يطلق النار في كلّ الاتجاهات، حتى مع التحالفات التاريخية للرأسمالية نفسها، مثل اتفاقية النافتا مع كندا والمكسيك واتفاقيات أخرى مع الاتحاد الأوروبي، والانسحاب من معظم الاتفاقيات والعهود الدولية، ناهيك بتوتير العاقة مع خصومه، شرقاً وجنوباً.
وماذا عن تداعيات تصاعد اليمين الفاشي في كلّ المنظومات الرأسمالية، وذلك في ضوء قانون التركيب العضوي للرأسمالية (طرد الملايين من سوق العمل مع ازدياد الأتمتة وظهور العمالة الرخيصة من أوروبا الشرقية) وتحميله الأزمة لهذه العمالة كما العمالة الآسيوية والسوداء إلخ…
كيف سيتعاطى سيد الشرّ الأميركي مع صندوقه المذكور: المزيد من عش الدبابير، أم التهدئة واللملمة، وما هي أولوياته:
آسيا الشرقية وبحر الصين الجنوبي، آسيا الغربية والشرق الأوسط ونفطه وغازه و(إسرائيله) أم المتوسط والصحراء الكبرى والحديقة الخلفية في أميركا اللاتينية.
في المقابل، كيف سيتعاطى العالم مع الوحش الأميركي المنفلت من كلّ عقال، ومعه كلّ انيابه وأدواته في كلّ مكان؟ وأين هي مصالح القوى المختلفة، وهل تكمن في عودة ترامب أم في غيابه وخطابه الفاشي.
وذلك إذا عرفنا انّ العالم ينقسم فعلاً على إيقاع الانقسام الأميركي نفسه، بين الفيل الجمهوري والحمار الديمقراطي، فالقوى المتضرّرة من سياسات ترامب لن تكتفي ولن تنتظر سقوطه وحسب، بل ستعمل على ذلك، لتوظيف كلّ المعطيات الخاصة بها في ساحاتها ودوائرها المختلفة، مثل الصين وإيران والعديد من الدول الأخرى وكذلك العديد من جماعات الإسلام الاطلسي التي انبثقت من عباءة ودوائر بريطانية – أميركية معروفة منها مقاربات المثلث اليهودي (لويس، شتراوس، ونوح فيلدمان والمحيط السياسي لهما مثل بريجنسكي وكيسنجر).
أما القوى المتخوّفة من سقوطه، وفي ضوء غزل مع ما يمثله بايدين مع خصومها، فهي إما أنها معنية بتحريك ملفات بعينها في خدمة ترامب، وإما بالإسراع في ملفات أخرى قد يطويها النسيان إذا سقط ترامب وما يمثله، ومن هذه الملفات والقوى على سبيل المثال:
1- الملف اللبناني ومعطيات الصراع على الجمهورية الثالثة وما بعد الطائف حيث يحاول الفرنسيون العودة الى بلاد الأرز عبر مغازلة إيران، بدلاً من السعودية ومَن إلى جانبها.
2- الملف الأردني وتشابكاته مع «صفقة القرن» والمحاولات الإسرائيلية لشطب الشكل الوظيفي الريعي السابق للأردن وتحويله الى مجال حيوي صهيوني بشكل جديد بلا سيادة.
3- الملف الصهيوني وميل بايدن إلى نائب نتنياهو، مما يضع الأخير في أقصى درجات التوتر والعدوانية وجرّ المزيد من المحميات السياسية الى دائرة التطبيع.
4- الملف الخليجي، من حرب اليمن الى الملف القطري الى الصراعات الداخلية المتناثرة هنا وهناك، حيث يميل بايدن وحزبه الى لملمة هذا الطابق.
5- ملف الإسلام الأطلسي بكلّ تياراته، اذ بات معروفاً انّ وصول ترامب الى البيت الأبيض خلط أوراق هذا الإسلام مقابل تبني الديمقراطيين وليس الجمهوريين لما يُعرف ببرنامج المحافظين الجدد لا سيما المثلث اليهودي (لويس ـ شتراوس ـ فيلدمان) الذين يعتبرون الإسلام الأطلسي أفضل بديل للحرس البيروقراطي القديم، في مواجهة الصحوة الروسية والصعود الصيني والدور الإيراني.
وهو ما يعني انّ جماعات الإسلام الأطلسي، الناعمة والخشنة، في مركزها العثماني وتحالفاتها (الإخوانية) ومنابرها الإعلامية وقنواتها المالية في محمية النفط والغاز، تفضل بايدن وتعمل على تحريك أكثر من ملف لهذه الغاية، من ليبيا الى الشرق الأوسط الى القوقاز.