رحيل تيرونش
بعد تأجيلات عدّة حان الوداع…
بينما كنا نقوم بتجهيز أغراض تيرونش الإثيوبية للسفر وبعد أن أمضت خمس سنوات في كنفي، توجّهَت تيرونش بحديثها إلى «شهنا» البنغلادشية التي تهتم بأمي وخالتي ثم قالت:
«ما بدي وصيكي بماما يا شهنا، أهم شي الحليب والنسكافيه والبسكويت.. بالنسبة للتنظيف ماما ما بتحب تشطف ولا تجلي ولا تمسح ولا تليف حمامات بس بتحب تمسح الغبرة..».
ثم قاطعتُها قائلة:
هل تذكرين اليوم الذي جئتِ فيه إلى لبنان يا تيرونش واللحظة التي التقينا فيها للمرّة الأولى؟
قالت:
آه يا ماما أكيد.. ومنذ اللحظة التي رأيتك فيها أحببتك.. قلت في نفسي حينها كيف لها أن تكون سيّدة المنزل وهي صغيرة جداً على ذلك..
سألتها:
هل كنتِ خائفة من صورة المرأة التي كنتِ تتوقعين لقاءها والعمل لديها؟
قالت:
بالطبع نعم.. كنت في الطائرة أفكر طيلة الوقت وأسأل نفسي:
«رح تكون ختيارة وتعصب وتضربني وتعيط عليي؟»
كنت أخاف جداً حين أتخيل كل تلك الأمور.. لكن حين رأيتك وعرفتك حمدت ربي كثيراً وأحببتك حد العشق وأدركت أن كل ذلك كان بسبب دعوات أمي لي..
كنتُ صغيرة جداً والأن سأعود إلى بلدي فتاة ناضجة محمّلة بكل الأشياء التي علّمتني إياها..
سألتها:
هل أنتِ سعيدة الآن؟
أغمضت عينيها وتنفست الصعداء ثم قالت:
آه سعيدة جداً جداً.. أتذكر اليوم الذي ودّعت فيه أهلي قبل أن آتي للعمل في لبنان.. كان الجميع يبكي على فراقي أما اليوم جميعنا ننتظر اللحظة التي سأعود فيها إلى بلدي وأهلي وعالمي..
سألتها:
ما الفرق بين الحياة هنا وهناك؟
ابتسمت ونظرت إليّ بعينين مشتعلتين بالحب والشغف ثم قالت:
الفرق أن الناس هنا ينشغلون بتجميع المال والتنافس على ركوب السيارة الأفخم وعلى ارتداء الثياب الأجمل والأغلى.. ينشغلون بانتقاء المنازل الواسعة والمطلة على البحر والجبل.. بينما في بلدنا لا نملك كل هذا.. فبيوتنا عبارة عن غرفة صغيرة تتسع لجميع أفراد العائلة.. نتشارك المأكل والمشرب والملبس..
وعلى الرغم من ملوحة الماء التي نشربها لكن الحياة حلوة حلوة جداً..
شعرت بالدفء يتسرب في عروقي وقلت لها:
–خذيني معك يا «تيرونش».
ردّت باستغراب:
–هل تتركين بلدكِ ووطنك؟
عانقتها وقلت:
موطني هو حيثما أجد الحب..
ناريمان علوش