مفاوضٌ في عقدٍ وعهدَيْن يرفعُ لبنان بانتصار جديد وأملٍ آتٍ… للرئيس برّي: المُهمة لم تنتهِ
} محمد حميّة
يتربّعُ رئيس المجلس النيابي نبيه بري مجدداً على ناصية الجنوب للدفاع عن لبنان وصيانة حقوقه وثرواته ومصالحه، فحماية عاصمة لبنان تبدأ بالقتال والنضال على حدوده. فكما حرس المقاومة بعيونه وسهر على أمن اللبنانيين واستقرارهم ووحدتهم في أصعب المراحل التي مرّ بها لبنان، تمكّن الرئيس بري أمس الأول من صناعة انتصار سياسي وطني كبير في تاريخ لبنان بعد عقدٍ زمني كامل من المفاوضات الشاقة خاضها مع المفاوضين الأميركيّين والدوليين أدّت إلى اتفاق إطار من دون قيد أو شرط أو أيّ تنازلات للعدو الإسرائيلي.
فور خروج الدخان الأبيض من عين التينة إيذاناً بإعلان الاتفاق، انطلقت سهام الأبواق الممجوجة والأقلام المشؤومة باتجاه عين التينة مصحوبةً بحملة تشكيك بمضمون الاتفاق وظروف التوصل إليه والإيحاء بأنه لم يقدّم أي جديد بهدف التقليل من أهمية الإنجاز.
لماذا هو إنجاز وانتصار؟
قبل التركيز على النقاط الرابحة التي حققها اتفاق الإطار، لا بدّ من التذكير بأنّ الرئيس بري خاض المفاوضات في ملف الترسيم خلال عهدين رئاسيين في الولايات المتحدة الأميركية، باراك أوباما وخَلَفه دونالد ترامب وما مرَ من المفاوضين الصقور خلال عقدٍ كاملٍ وآخرهم ديفيد شينكر، وبقي رئيس حركة أمل ثابتاً على موقفه رغم حملة الضغوط الهائلة التي واجهها على المستويات السياسية والاعلامية والمالية كان آخرها العقوبات الأميركية على ساعده الأيمن النائب علي حسن خليل في رهان أميركي على أنّ ليّ ذراع رئيس المجلس يكمن باستهدافه مالياً.
فالمواكبون لملف الترسيم منذ الـ2010، يعرّجُون على المحطات الأساسية العديدة التي طبعته، والعقد التي واجهته… فالمبعوثون الأميركيون الذين فاوضوا في الملف لم يألوا جهداً ولم يعدموا وسيلة إلا واستخدموها في معركة كسر رئيس البرلمان لانتزاع المكاسب، وأهمها: المفاوضات المباشرة بين لبنان و»إسرائيل» وبرعاية أميركية لاستثمارها على أنها مفاوضات سلام واستدراج لبنان إليها تدريجياً، لكن بري رفض مصراً على مفاوضات غير مباشرة وبرعاية الأمم المتحدة وفي الناقورة ومن دون شروط.
النقطة الأهمّ في اتفاق الإطار هي أنّ الآليات التي ستعتمد في التفاوض التقني ستكون وفق تفاهم نيسان 1996 الذي كرّس حق لبنان بالدفاع عن سيادته وأراضيه، وأرفق بري مؤتمره الصحافي بأكثر من إشارة للتأكيد على هذا الأمر لا سيما قوله: «لا أحد يهدّدنا»، إذ أن لبنان ارتكز في مفاوضات تحديد الإطار كما في مفاوضات الترسيم التقنية المرتقبة على مرتكزات قوة تشكلها معادلة الجيش والشعب والمقاومة التي مثلت ميزان قوى صلب أدى إلى فرض اتفاق الإطار وفق الشروط اللبنانيّة وسيكون هذا الميزان الركيزة الأساس لانتزاع حقوق لبنان النفطية كاملة، فأهمية الإنجاز أن رئيس المجلس كرّس وثبت ميزان القوى مع «إسرائيل» وبالتالي معادلة القوة، وتجلى ذلك أيضاً بتلازم المسارين البري والبحري، فالأميركيون كانوا مصرّين على فصل المسارين لكي يلتقطوا عصا المفاوضات من الوسط فيأخذوا اتفاقاً في البر ثم يتحكموا بمفاوضات البحر.
وشكلت مفاوضات العقد الماضي اختبارات أميركية متتالية لميزان القوى الذي فرضته المقاومة على «إسرائيل»، فصمود بري كان تعبيراً عن ثبات هذا الميزان وميله الدائم لمصلحة المقاومة ولبنان.
ولو أراد الرئيس بري إنهاء ملف الترسيم لمجرد تحقيق نصرٍ إعلامي مزيف ووهمي لكان فعل ذلك ورضخ للشروط الأميركية – الإسرائيلية المذكورة أعلاه. أما التهكم على رئيس المجلس باستعماله مصطلح «إسرائيل» بدلاً من العدو الإسرائيلي واعتبار الأمر إشارة لبدء العد العكسي للتنازل والتمهيد لاتفاق سلام، فلا تلزم الرئيس بري كقائد وطني مقاوم شهادة في التزامه الوطنيّ وثباته فيه وتمسكه بانتمائه الوطني اللبناني. وهل رئيس حركة أمل التي أسّسها الإمام المغيّب موسى الصدر صاحب مقولة «إسرائيل شرٌ مطلق»، إن لم يقل مرّة في حياته «العدو الإسرائيلي»، أن «إسرائيل» بشرّها المطلق، عنده، لم تعد عدواً؟
أما المؤسف فأن نجد في لبنان من يحاول التشويش على الانتصارات العسكرية والسياسية التي يحققها لبنان ومقاومته للنيل من المقاومة إعلامياً وسياسياً ومعنوياً وضرب مصداقية وثقة قيادتها التي يُعدّ الرئيس بري أحد أبرز أركانها. فالبعض حاول استغلال أحد مبادئ التفاوض «تلازم المسارين البري والبحري» للإيحاء بأنه سيؤدي إلى العودة للتفاوض على الحدود البرية المعترف بها دولياً وفق قرارات الأمم المتحدة، لكن مصادر معنية توضح لـ»البناء» بأن ترسيم الحدود البرية لا يعني العودة الى اتفاق جديد في البر، بل القصد منها تثبيت الحدود البريّة وتحديد النقطة البرية للانطلاق لترسيم الحدود البحرية، لأن هذه النقطة تحدّد مسار الحدود البحرية وحصة لبنان في البحر وبالتالي في المنطقة الاقتصادية في المياه الإقليمية، مذكرة بوجود تعديات من الجانب الإسرائيلي في 13 نقطة بريّة.
وعن انتقال الملف إلى الرئيس ميشال عون ومصير هذه المفاوضات التقنية، فيشير المعنيون إلى أنه كما كان التفاوض شاقاً منذ عشر سنوات بقيادة بري لن يكون معبّداً بالرياحين وخاصة مع الإسرائيلي الذي يعتمد «البلطجة» والخداع والدوس على التزاماته واتفاقاته كسياسة تفاوضية، لكن إذا انتهج المفاوضون الجدد استراتيجية تفاوضية كالتي اتبعها الرئيس بري عبر التمسك بالثوابت الوطنية وعوامل القوة وميزان القوى السياسي والعسكري والإقليمي وتوفير إجماع وطني حوله، فالنتيجة ستكون كما نتيجة اتفاق الإطار.
ثمة مؤشرات تفاؤل على قرب التوصل الى اتفاق تقني على ترسيم الحدود تبدأ بإعلان الأميركي والإسرائيلي عن هذا الاتفاق المنجز بعد أشهر عدة من إنجازه، بحسب ما كشف الرئيس بري منذ شهرين ونيّف بأنّ «ملف الترسيم وصل إلى خواتيمه»، ورفضت أميركا الإعلان عنه لرهانها على تنازل لبنانيّ في ربع الساعة الأخير تحت ضغط الأحداث. وثانياً تقريب موعد انطلاق المفاوضات منتصف الشهر، ثالثاً المصلحة الإسرائيلية – الأميركية بإنهاء الملف وضيق الوقت. وهذا ما أدركه الرئيس بري واشتغل عليه. وتتجلى هذه المصلحة بعاملين: الأول حاجة «إسرائيل» لاستثمار ثروتها النفطية والغازية، فالحكومة الإسرائيلية صادقت على بدء التنقيب عن الغاز في بلوك 71 بمحاذاة بلوك 9 المتنازع عليه ولا يمكنها ذلك من دون إنهاء النزاع مع لبنان علماً أن حلّ الملف يثَبِت «إسرائيل» كشريكة أساسية في مشروع الغاز الإقليمي المرتقب المؤلف من مصر واليونان وقبرص والأردن وإيطاليا وقد تنضمّ إليه فرنسا لاحقاً وذلك لمنافسة الغاز والنفط الروسي والإيراني.
يُكتب للرئيس بري إنجاز وطني كبير في تاريخ لبنان في أنه وضع اللبنة الأولى والحجر الأساس والمدماك الصلب لمشروع استخراج ثروة لبنان النفطية والغازية التي ستكون سفينة إنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادي والانطلاق إلى بناء اقتصاد حيوي منتج تستفيد منه أجيال لبنان وفرصة لاسترجاع طاقاته الشبابية المهاجرة إلى موطنهم للمساهمة في بنائه.
نبيه بري مفاوضٌ في عقدٍ وعهدين يرفعُ لبنان بانتصار جديد وأملٍ آتٍ بغدٍ مُشرق… لم تنتهِ المهمة بل بدأت المهمات على مساحة الوطن، أولها رعاية هذا الإنجاز وصيانته من أعداء الخارج وخبثاء الداخل، واستكمال المهمة في ملفات وإنجازات وانتصارات أخرى على صعيد بناء الدولة الحديثة وتطبيق اتفاق الطائف ببنديه الأساسيين قانون انتخاب عصري وإلغاء الطائفية السياسية وإنشاء مجلس الشيوخ.