ماكرون يبتكر نظرية جديدة للاستثمار المفيد في الإسلام؟
د. وفيق إبراهيم
منظر الإمبراطور الفرنسي نابوليون بونابرت قبل قرنين مرتدياً عمامة إسلامية وعباءة مجالساً في حلقة على الأرض كبار علماء جامع الأزهر في العاصمة المصريّة القاهرة، يُعيد للأذهان عمق الاستثمار الفرنسي في الإسلام.
أي أن أحداً من ورثته السياسيين الرئيس الفرنسي الحالي ماكرون، يحاول إضافة زوايا جديدة على هذا الموضوع، انطلاقاً من ضرورات الاستمرار في استغلاله إنما مع إضافات جديدة تتعلق بضرورات منع انتشار الخصوصيّات الثقافيّة الإسلامية بين المسلمين العاملين والمقيمين في البلاد الغربية ومنها فرنسا.
فكيف يُجيز ماكرون للغريب الاستثمار في الخصوصيّات الإسلاميّة في بلاد المسلمين، ويمنع ممارستها في بلاده؟
هنا تكمن إشكالية، هي من صناعة تطوّر العلاقة التاريخية بين غرب استعماري وعالم إسلامي مستسلِم.
لقد اعتاد الغربيون المعاصرون منذ القرن الثامن عشر على تطبيق طريقتين في الاستثمار بالإسلام، الاولى دعم بعض فئاته للتمرد على العثمانيين الذين استعمروه أربعة قرون بدءاً من 1516، أما الذريعة التي استخدموها وروّجوا لها فهي أن العرب هم قادة الإسلام ولا يحقّ للعثمانيين احتلال أراضيهم.
وذهبوا بعد تحقيق أغراضهم الى إضعاف المجتمعات العربية بإثارة الخلافات المذهبية والقبلية فارضين انصياعاً إسلامياً كاملاً لمراميهم.
هنا يكمن السر في دعم المخابرات البريطانية للحركة الوهابيّة في جزيرة العرب، وإسناد الاخوان المسلمين تأسيساً وانتشاراً في مراحل لاحقة.
هذا ما يطبقه الأميركيون في مراحل هيمنتهم وحتى الآن، من دعم للوهابية واختراع منظمة القاعدة بالتعاون بين المخابرات الأميركية وحليفتها السعودية، وصولاً الى تأسيس المناخات المؤاتية لظهور منظمات داعش والنصرة وهيئة تحرير الشام وحواملها، التي اعترف رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم أن الاميركيين كلفوا بلاده مع السعودية والإمارات بتمويل هذه المنظمات وتسليحها ورعاية انتقالها عبر تركيا والأردن والعراق الى سورية.. زاعماً أنهم كانوا يجهلون بأنها منظمات إرهابية.
فلو سلمنا جدلاً أن قطر والسعودية والإمارات لم تكن على علم بإرهابية هذه المنظمات، فهل ينطبق هذا الأمر على المخابرات الاميركية والبريطانية والفرنسية، هذا شأن لا يمكن تصديقه مطلقاً. والدليل أن هذه المنظمات الإرهابية كانت واضحة العقيدة على وسائل إعلام الغرب، وتعايشت منذ 2003 مع الجيش الأميركي المحتل للعراق، وفي مجمل المناطق السورية، وهي لا تزال موجودة في العراق وسورية ضمن مناطق فيها جنود أميركيون وأوروبيون وأتراك.
يتبين أن موضوع الاستثمار الغربي في الإرهاب الديني في الدول العربية والإسلامية واضح من دون بذل أي جهود عميقة، ومستمر حتى الآن، بما يؤكد أن الحشد الشعبي هو الذي قضى على معظم الإرهاب الديني العراقي فيما تولى الجيش السوري مدعوماً من تحالفاته الروسية والإيرانية وحزب الله بتحطيم الكتل الإرهابية الكبرى في معظم الجغرافيا السورية.
فما الذي استجدّ عند ماكرون الفرنسي؟ فجأة ومن دون أسباب كبيرة موجبة، قال ماكرون للإعلام إن المسلمين في فرنسا والغرب عموماً، يتجهون لبناء مجتمعات ثقافية خاصة بهم غير قابلة للاندماج بالثقافات الغربية، معتبراً هذا الأمر نذير خطر قابلاً للتراكم الى درجة الانفجار، داعياً إلى ابتكار وسائل لتصديع خصوصيات المسلمين المقيمين في الغرب وإعادة دمجهم على اساس انهم الفئات الأكثر وضاعة على المستوى الطبقي في النظام الصناعي الغربي.
فيظهر مشروع ماكرون حاملاً زاويتين من مشروع واحد وهو استعمار العالم العربي والإسلامي من خلال السيطرة على الفئات المتطرّفة دينياً في أرجائه، اما الزاوية الثانية فهي ضرب الاتجاه الاستقلالي ثقافياً للمسلمين في المدن الأوروبية والغربية.
بما يؤدي الى أدوار قمعية للدول الغربية، واستنهاض للتطرف الديني الغربي الذي يرتدي أشكال هجمات متنوّعة على عمال مسلمين ونساء مسلمات يرتدين النقاب أو الحجاب او اي شيء يكشف هويتهن الدينية.
ما هي النتيجة المرتقبة؟
إنها بالتأكيد هيمنة غربية كاملة على ثلاثة انواع من البنى في المجتمعات الإسلامية، السلطات السياسية وهي مصابة بمرض الخوف على أنظمتها فتوالي الغرب لحمايتها بشكل أعمى، والإسلام الرسمي وهو فقهي يوالي السلطات ولا يربط بين التخلف والهيمنات الغربية والداخلية.. والثالث تنظيمات تتبنى فكراً إرهابياً يرفض الآخر بشكل كامل من المسلمين وغيرهم ويهاجم الجميع باستثناء قوى الاستعمار الغربي وممالك الخليج.
ما يوضح أن ماكرون يتعمّق في ابتكار ادوات نافذة لتجديد الاستعمار الغربي لقرون عدة مقبلة فيسرق النفط والغاز وكل ما قد يظهر من ثروات في مقبل العقود والأيام.