تطبيع الأمس غيره تطبيع اليوم !
} السيد سامي خضرا
منذ أسابيع وتصلني العديد من المقاطع المُصوَّرة وهي على الأرجح مُمَثَّلة ومُوجَّهة وبإخراج مقصود… وليست عفوية واقعية.
هذه المقاطع يظهر فيها «إسرائيليون» و«إماراتيون» بألبستهم التقليدية وهم يُغنُّون ويرقصون ويحتفلون .
بل وفي بعض المشاهد يحملون الأعلام الإسرائيلية والإماراتية وهم يُعبِّرون عن فرحتهم.
وقبل أيام أُعلن عن اتفاقية بين «لجنة أبو ظبي للأفلام» و«صندوق السينما الإسرائيلي» بهدف «تعزيز التعاون في صناعة السينما والتلفزيون وتعزيز ثقافة التسامح في إطار تطبيع العلاقات بين الإمارات والكيان الصهيوني!
ونتوقف هنا لنسأل عن الفرق بين تطبيع الأمس أيّ قبل عقود وتطبيع اليوم !
فهذه المشاهد التي ذُكِرت أعلاه لم نرها في التطبيع الذي جرى مع مصر والأردن حيثُ وبعد «الاحتفال الرسمي» بالتوقيع على ما سُمِّيَ «مُعَاهدة كامب دايفيد» لم نرَ هذه المَظاهر «الشعبية» التي نراها اليوم !
بل وأنا أكتب هذه الكلمات تكلمَ السفير الأميركي السابق في بيروت جيفري فيلتمان عن اتفاق التطبيع بين دولة الإمارات و»إسرائيل» في الندوة الإلكترونية الأولى لـ «مؤسسة مي شدياق» يوم الثلاثاء في 22/9/2020 حيث قارن «ظروف اتفاقي اليوم بين إسرائيل مع كلّ من الإمارات والبحرين بظروف اتفاقي «كامب دايفيد» و»وادي عربة» اللذين لم يتمكّنا من استمالة الشعبين المصري والأردني تجاه الإسرائيليين»!
من هنا يُرَجِّح البعضُ أن تكون مثل هذه المشاهد مُتَصَنَّعة بهدف تضليل الناس والأمة وإظهار أنّ الشعوب العربية تَنتظر هذا الحدث بفارغ الصبر !
مع أننا كلنا نَعلم أنّ مسألة التطبيع أتتْ بَعد ضغوطات غير عادية يقوم بها الجانب الأميركي لأسبابٍ انتخابيةٍ داخليةٍ كما لأسبابٍ سياسيةٍ تتعلق بمحيط وواقع كيان العدو.
فهذا التعجيل في التطبيع والذي يتَّبعه هذا التعجيل في إظهار الفرحة والسرور والتطبيل لفلسفة السَّلام والحُب.. ليس واقعياً .
لأننا لو استعرضنا اتفاقيات التطبيع السابقة لرأيناها مشاريع أقرب إلى الفشل منها إلى الحياة والاستمرارية.
فالتطبيع الأول كان في اتفاقية «كامب ديفيد» وكان حَدثاً مُراً على الأمة لأنها آنَّذاك كانت تضجُ بالثورية وبديهيات تَبَنِّي القضية الفلسطينية بحيثُ لا يجرؤ أحد على التفكير خِلافَ ذلك… ولم يجرؤ أحد على إقامة الاحتفالات والرقصات ترحيباً .
وعام 1994 كان التطبيع مع الأردن في «وادي عربة» وقيل يومها أنّ للتطبيع فوائد كثيرة في الاقتصاد والسلام والإزدهار والأمن…
وعندما فُتِحت سفارة وبدأ اليهود يدخلون علانيةً ولو بشكلٍ تدريجي «ومدروس» حاول المُطَبِّعون أن يُفَعِّلُوا خُطواتهم بتبادلات إعلامية وفنية ثم تجارية وديبلوماسية وثقافية.. سرية وعلنية .
وبقيَ الجانب السياحي على حَذَر كبير وانتكاسة.
حاول «الإسرائيليون» التوغل إلى الحدّ الأقصى لكن ملايين المصريين كما الأردنيين بِمُجملهم لم ينسجموا مع التطبيع أبداً بل كان الشعب مُخالفاً له وعَبَّر عن ذلك من خلال نشاطات شعبية ونقاية مختلفة.
ولكلّ أمةٍ شواذ…
وهنا نتساءل :
إذا كانت هذه السنوات الطِّوال لم تُؤَمِّن هذا النجاح أو الخرق أو التسليك لتطبيق سياسة التطبيع والتي كانت دائمة التوتر والحَذَر والخوف ولم تستقر على وتيرة واحدة إلى يومنا هذا والشواهد على ذلك أكبر من أن يُحِيطها مقال فكيف يُمكن لنا أن نُصَدِّق هذا التضليل الذي يُريد تقديم إتفاقيتَي التطبيع مع الإمارات والبحرين على أنها مَنٌّ وسلوى نزلَ على مائدةٍ من السماء ؟!
ونعود إلى المؤتمر أعلاه لنستشهد بما قاله فيلتمان في مؤتمره المشار إليه أعلاه عن اتفاق التطبيع بين دولة الإمارات وإسرائيل وكان مما قاله حرفياً:
« في ما يخصّ إسرائيل أظن أنّ حسابات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بُنيت على المدى القصير, هو يريد السلام سريعاً ولا يهتمّ للمستقبل»
ويظنّ فيلتمان « أنّ الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل جاء استباقاً لاحتمال فوز بايدن الذي سيصبّ في هذا الاتجاه».
ويرى أنّ الإمارات « تلقّفت المشهد المقبل خصوصاً أنّ سمعتها قد تضرّرت جراء حربَي اليمن وليبيا، ونتيجة قربها من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان».
وأما التطبيع مع البحرين فهو أمرٌ لا يُعَوَّلُ عليه فما هي إلا فقاعة مكانبة تابعة تُحركها السعودية بالروموت .
وما يُقال في الكواليس أنه قريباً سوف ترسو سفينة التطبيع مع بُلدان أخرى وكُلُّهُ على عَجَل .
فهذا لا يُغير من واقع الشعوب شيئاً لأن تصرُّف الحكام شيء وإرادة الشعوب وتجمُّعاتهم ونقاباتهم شيءٌ آخر تماماً.