مصر تغيّر منظومة الريّ في أراضيها الزراعيّة بسبب الفقر المائيّ
تنفذ الحكومة المصرية، خطة للتحوّل من ري الأراضي الزراعيّة بالغمر إلى الري الحديث، وهو التنقيط أو الرش، وذلك في إطار استراتيجيتها لترشيد استهلاك المياه، لا سيما أن البلاد تعاني من «الفقر المائي» في ظل ثبات حصتها من مياه نهر النيل رغم زيادة الكثافة السكانيّة.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي، قد وجّه خلال اجتماع عقده قبل أيام مع رئيس الحكومة، ووزيري الموارد المائية والري، والزراعة واستصلاح الأراضي، بالتوسّع في تطبيق نظام الري الحديث للأراضي الزراعيّة على مستوى الجمهورية.
وعقب الاجتماع الرئاسيّ، عقد وزير الزراعة واستصلاح الأراضي السيد القصير اجتماعاً مع لجنة تطوير منظومة الري الحقلي لمتابعة تنفيذ خطة التحول إلى الري الحديث.
ويُعدّ قطاع الزراعة من أكبر القطاعات المستهلكة للمياه، بسبب استخدام نظم الري بالغمر، واحتياج المحاصيل المزروعة إلى كميات كبيرة من المياه على مدار السنة، نظراً لظروف التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة.
وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية في مصر 9.4 مليون فدان، هي 6.1 مليون فدان أراضٍ قديمة يتم ريها بالغمر، و3.3 مليون فدان أراضٍ جديدة يجري ري مليون منها فقط بالغمر، والباقي بالري الحديث، وفقاً للدكتور سعيد حماد المشرف على لجنة تطوير الري بوزارة الزراعة.
وأوضح حماد، أن «خطة تحويل الري بالغمر إلى الري الحديث يتم تنفيذها على مراحل، حيث تتضمّن المرحلة الأولى تحويل مليون فدان من الأراضي الجديدة للري الحديث».
ولفت إلى أن «المدى الزمني لهذه المرحلة يبلغ نحو عامين، لكن الرئيس السيسي يريد الانتهاء من هذه المرحلة في 30 حزيران المقبل».
وعند الانتهاء من هذه المرحلة، ستكون كل الأراضي الجديدة في مصر ضمن منظومة الري الحديث، حسب المسؤول المصري.
وأشار حماد، إلى «تقسيم مساحة المليون فدان بين وزارتي الري والزراعة، بحيث تتولى كل منهما تحويل 500 ألف فدان إلى الري الحديث».
أما المرحلة الثانية، فسيتم خلالها تحويل جميع الأراضي القديمة والبالغة 6.1 مليون فدان للري الحديث وذلك خلال فترة تتراوح بين أربع إلى ست سنوات، وفقاً لحماد.
وعن الحوافز التي تقدّمها الحكومة لتشجيع المزارعين على التحول للري الحديث، قال المسؤول المصري إن «الدولة سوف تساعد المزارعين فى التمويل والإشراف الفني».
وأضاف أنّه «تمّ توقيع بروتوكول مع البنك الأهلي والبنك الزراعي، لدعم المزارع فى تنفيذ المشروع، من خلال مبادرة البنك المركزي الخاصة بقروض المشروعات الصغيرة، وذلك بفائدة 5% فقط على ثلاث سنوات، من أجل تمويل شبكات الري للمزارعين».
وتتراوح تكلفة تحويل فدان الأرض من الري بالغمر إلى الري الحديث ما بين 10 إلى 15 ألف جنيه، وفقاً للمشرف على لجنة تطوير الري بوزارة الزراعة.
وتابع أن «وزارة الزراعة سوف تقوم بالإشراف وتصميم شبكة الري للمزارعين بشكل مجاني، كما رشحت 20 شركة لتنفيذ الشبكات».
وعن الأسباب وراء توجه الحكومة لتحديث منظومة الري، أوضح أن «الدولة تريد ترشيد المياه بسبب الزيادة السكانية، وسد الفجوة الغذائية».
ونوّه بأن «استراتيجية ترشيد المياه تتضمن أيضاً رفع كفاءة الترع والمصارف لتقليل الفاقد من المياه، والحد من التوسع في زراعة محاصيل تحتاج إلى كميات مياه كبيرة مثل القصب والموز والأرز، واستنباط أصناف محاصيل قصيرة العمر وموفرة للمياه وعالية الإنتاجية».
وتضم الاستراتيجية كذلك «استخدام تكنولوجيا الزراعة الحديثة في الأراضي القديمة مثل التسوية بالليزر والزراعة على مصاطب القمح، فضلاً عن تحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف».
بدوره، أشاد الدكتور محمد سليمان رئيس مركز البحوث الزراعية بخطة مصر لتحويل الري بالغمر إلى الري الحديث، ووصفها بأنها «مفيدة».
وقال سليمان: إن «مصر فى حاجة إلى هذه المنظومة من أجل زيادة الإنتاجية وتوفير المياه».
ونفى أن تكون الحكومة قد تأخرت في تنفيذ هذه الخطة، مشيراً إلى «وجود عوامل كثيرة تتحكم في التنفيذ مثل توافر الميزانية المطلوبة».
لكن الدكتور عباس شراقي أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة، قال إن «مصر حصلت على تمويل أجنبي، على هيئة قروض، للتحول من الري بالغمر إلى الحديث»، مشيراً إلى «وجود صعوبات أمام تنفيذ هذه الخطة مثل وجود بعض الأراضي التي لا يصلح معها الري الحديث».
وقال إن «هناك بعض الأراضي فى شمال الدلتا قريبة من البحر والمياه الجوفية، وبالتالي الملوحة بها مرتفعة، والري بالغمر هو الأنسب لها، لأنه يجري لها عملية غسيل وإزالة الأملاح، أما الري بالتنقيط فيعنى ضخ مياه أقل وتسريب أملاح وبالتالي ستزيد الملوحة أكثر فيها».
وتابع أن «الري الحديث لم يثبت جدواه حتى الآن للأراضي التى تزرع بمحاصيل تقليدية مثل قصب السكر والأرز، والتي تحتاج لكميات كبيرة من المياه». ومع ذلك، أقرّ شراقي بأهمية الري الحديث الذي قال إنه «يوفر على الأقل 25% من المياه، ويرفع إنتاجية الأرض».
وأوضح أن «مصر لجأت إلى الري الحديث بسبب حاجتها للمياه، فحصة مصر من مياه النيل ثابتة رغم زيادة السكان»، قبل أن يختم بالقول إنه «حتى عام 1990 كان نصيب المواطن حولى ألف متر مكعب، وهذا هو المعدل العالمي، لكن بعد هذا العام تناقص نصيب الفرد حتى وصل الآن إلى 565 متراً مكعباً فقط».
ويُعدّ نهر النيل المصدر الرئيسي للمياه في مصر، وتبلغ حصتها السنوية من مياهه 55.5 مليار متر مكعب، في حين تصل الاستخدامات المائية في البلاد نحو 80 ملياراً. ووفقاً للمعايير العالمية، فإن مصر تعاني من «الفقر المائي».