الخاشقجي «لعبة أمم» مسلّية بانتظار اغتيال علنيّ جديد!
د. وفيق إبراهيم
تنام جريمة اغتيال الإعلامي السعودي جمال الخاشقجي في سفارة بلاده في اسطمبول التركية في 2018 دهراً طويلاً، ولا تصحو إلا لأيام عدة كل سنة للزوم الاستثمار السياسي بها في لعبة أمم تلبي صراع المصالح بين الدول.
لعبة الأمم هذه تشمل المحاور الدولية والتنافسات الداخلية بين موالاة ومعارضات والانتخابات الداخلية في الدول النافذة وتغطية غزوات وحروب واقتصادات متناحرة.
هنا تتلاعب السياسات في كل زاوية من تاريخه وجسده وحركاته، لكنها لا تقترب من مسألة ملاحقة القتلة الفعليّين المعروفين من الآمرين الى المنفذين.
لان افتضاح أمر هؤلاء يضع حداً لإمكانية الاستثمار الدائم بها، فلماذا لا يبقى اغتيال الخاشقجي قضية مفتوحة للاستمرار باللجوء اليها عند تأزم العلاقات السياسية بين المستفيدين الاقليميين والدوليين وبين دولة آل سعود المتهمة؟
لا بأس من العودة الى المناخ السياسي العالمي الذي واكب هذا الاغتيال قبل سنتين.
هنا لعبت تركيا دور المستثمر الأساسي لأن جريمة الاغتيال جرت داخل السفارة السعودية في تركيا، فوجدها الرئيس التركي أردوغان فرصة نادرة للنيل من آل سعود في صراعه معهم على زعامة العالم الإسلامي.
لذلك ابتدأوا بهجوم إعلامي تدريجي كان يتعمّد تقسيط الاتهامات فيه على شكل جرعات إعلامية أسبوعية محدودة وذلك للمزيد من التشهير لدفع علاقته بالسعودية الى دائرة مفاوضات سريّة، كان يريدها لكسب تأييد له من السعودية في أمكنة عالمية مختلفة.
بَيْد أن هذا التنازل لم يحدث بسبب التغطية الأميركية للمتهم أي ولي العهد محمد بن سلمان عبر ادارة الاغتيال من قبل المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني الذي برأته محكمة سعودية بعد استقالته من منصبه، وكذلك بواسطة إشراف نائب رئيس مخابرات السعودية اللواء أحمد عسيري على هذا الاغتيال، بدوره جرت تبرئته واختفى عن الأنظار.
أما دول القارة الأوروبية فذهبت على مستويي الموالاة والمعارضات الى اتهام الأجهزة الأمنية السعودية بتنظيم اغتيال الخاشقجي وتنفيذه، إلا أنها كانت تصمت عند توقيع اتفاقات اقتصادية وتسليحية مع السعودية والإمارات وصولاً الى التجاهل الكامل للموضوع، فالمصالح الاقتصادية تتأمن فلماذا اختراع أسباب تتعلق بالقيم الديموقراطية والحريات، لا تؤدي إلا الى إفساد العلاقات الاقتصادية مع الخليج، بقرة الغرب الحلوب؟
بدورها روسيا العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي والتي تحارب الإرهاب والدور الغربي في سورية تجاهلت هذا الاغتيال بشكل كامل، فلم تنبت بكلمة واحدة ليتبين ان الروس حريصون على استمرار علاقتهم الإيجابية مع السعودية حرصاً على استمرار الاستقرار الحالي في أسواق الطاقة.
كذلك الصين ذات النظام الشيوعي، التي تجاهلت مثل روسيا اغتيال الخاشقجي وفضلت الاختباء خلف سلعها الاقتصادية التي تغزو أسواق الخليج.
يتبين أن المستثمرين في قضية الخاشقجي هم الأتراك والأميركيون والأوروبيون وبعض السياسات القليلة الأثر في زوايا الأرض.
هؤلاء بالتحديد هم الذين عادوا الى إحياء هذه القضية في ذكرى مرور سنتين على اغتيال هذا الإعلامي المعارض، الذي استدرجته المخابرات السعودية الى سفارة بلاده في اسطمبول وقتلته وقطعته الى أجزاء حللتها بمواد كيمياوية.
لا يجب هنا نسيان دور الدولة السعودية التي تعمدت بعد السنتين اتهام 11 سعودياً من المخابرات بقتله، وحكمت عليهم بسنوات عدة من السجن، بذريعة ان أولاد القتيل عفوا عنهم!
إن هذه المحاكمة الملفقة وحرب ناغورني قره باغ والدور الاستعماري التركي في سورية والعراق وليبيا والصراع على البحر المتوسط هي عناصر اساسية دفعت بالدولة التركية الى تنظيم ذكرى لاغتياله، تعمدت ان يوجه الحاضرون اتهامات للسعودية بقتله وتعمدت كشف صور عن عملية الاغتيال.
ما يستدعي البحث عن الأسباب التي حالت دون تدخل تركي مباشر لمنع الجريمة أو كشفها في حينها، ولهذا علاقة بلعبة الأمم والاستثمار المتواصل بالاغتيال.
بدوره المرشح الرئاسي الأميركي جو بايدن طالب بإلحاح كشف جريمة الاغتيال متهماً منافسه ترامب بتغطية القتلة، ومتعهداً في حال فوزه بالدفاع عن الديمقراطية والحريات، وصمت.
هناك أيضاً جمعيات ومعارضون اوروبيون تذكّروا الخاشقجي مجدداً، مشددين على كشف الملابسات وهي مكشوفة منذ سنتين فقط.
انها اذاً لعبة أمم لا قيمة فيها لأرواح البشر ومعارضي الديكتاتوريات بشكل يكشف ان المصالح الاقتصادية والسياسية تتفوّق على الارواح والأنفاس، هذه المصالح هي الآن عند آل سعود غير القابلين للهزيمة إلا بتحرك داخلي يجعلهم يخسرون تغطياتهم الخارجية.