التشويه الأميركيّ لصورة الصين لم يلقَ القبول في أوروبا
ارتقى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي اشتهر منذ فترة طويلة بتوجيه اتهامات لا أساس لها ضد الصين، درجة أخرى في حملته لتشويه سمعة الصين خلال جولة أوروبية استمرت خمسة أيام في كل من اليونان وإيطاليا والفاتيكان وكرواتيا.
ومن الحرب على كوفيد– 19 إلى «الحرية» الدينية، ومن الجيل الخامس (5G) إلى مبادرة الحزام والطريق (BRI)، قوبلت الكلمات المتلاحقة لكبير الدبلوماسيين الأميركيين، والتي يهاجم فيها الصين، بانتقادات من كبار المسؤولين في الدول التي زارها، وإدانات شديدة من السفارة الصينية.
بدأ بومبيو جولته في مدينة ثيسالونيكه شمالي اليونان، حيث استقبله ما يقرب من 2000 محتج يحملون لافتات كُتب عليها «صقر الحرب غير مرحب به في بلادنا»، و»قتلة الشعوب غير مرحب بهم».
ويوم الأربعاء، استضاف بومبيو ندوة حول «الحرية الدينية» في سفارة الولايات المتحدة لدى الكرسي الرسولي في روما. ودُعي البابا فرانسيس للندوة، لكنه لم يحضر، خشية أن تستخدمه حملة ترامب كأداة سياسية في الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
ورداً على سؤال من وكالة الأنباء الإيطالية «ANSA»، حول ما إذا كان الحدث قد «يرقى إلى استغلال البابا»، قال رئيس الأساقفة بول ريتشارد غالاغر، سكرتير الفاتيكان للعلاقات مع الدول، «نعم، ولهذا السبب تحديداً لن يلتقي البابا بوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو».
وخلال هذا الحدث، جدّد بومبيو تشويهه لسمعة الصين، مُدعياً أنه «لا يوجد مكان تتعرّض فيه الحرية الدينية للاعتداء أكثر مما هي عليه داخل الصين اليوم»، ملقياً بالوقت نفسه اللوم على «الحزب الشيوعي الصيني»، و»كل الأنظمة الشيوعية».
ورداً على ذلك، أدانت السفارة الصينية في إيطاليا تصريحات بومبيو في بيان صحافي يوم الخميس، قائلة إن تصريحاته «تفيض بالتحيّز الإيديولوجي والجهل بالصين».
وأكد بيان من السفارة على أنه «اليوم، يتمتع المواطنون الصينيون من جميع القوميّات بإحساس غير مسبوق بالرضا والسعادة والأمان. وتقييم ما إذا كانت حالة حقوق الإنسان والحرية الدينية والأمن السيبراني في الصين جيدة أم لا، يعود إلى أولئك الذين يتمتعون بالحق الأول للحديث عن هذا الموضوع، وهم تحديداً الـ1.4 مليار صيني، وبالتأكيد ليس أي سياسي أجنبي».
واستشهدت السفارة بمثل إيطالي يقول «من يبذر الريح لا يحصد سوى العاصفة»، حاثة بومبيو على «التوقف عن شعور العظمة بأقرب وقت ممكن».
ومن أجل التغطية على استجابة واشنطن البطيئة تجاه وباء كوفيد– 19 وصرف انتباه الرأي العام الأميركي عن القضايا الداخلية الملحة الأخرى، جعل بومبيو «الصين مرة أخرى كبش فداء»، خلال رحلته هذه.
وقال بومبيو في مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، إن «التعافي من الفيروس يجب أن يعني أيضاً مساءلة الحزب الشيوعي الصيني»، في محاولة منه لـ»التملص من اللوم على عدم قدرة حكومته على حماية الشعب الأميركي من فيروس كورونا الجديد».
وقبل يومين من زيارة بومبيو لكرواتيا، انتقد الرئيس الكرواتي زوران ميلانوفيتش، الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتقويضه السمعة الدولية للولايات المتحدة، ووصفه بأنه «مثير للرعاع»، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الكرواتية الوطنية «هينا– Hina».
وقال ميلانوفيتش «لقد دمر دونالد ترامب كل شيء. إنه يحرض على الكراهية ويستفز، وهذه حقيقة»، مضيفاً أن «زيارة بومبيو كانت لبيع طائرات حربية».
وقال كوري تشاك، نائب المدير العام للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، في مقال تحليلي بعنوان «كيف سيبدو العالم بعد وباء فيروس كورونا الجديد»، نشرته مجلة «فورين بوليسي» في آذار، إن «الولايات المتحدة لن يُنظر إليها على أنها زعيمة العالم، بسبب المصلحة الذاتية الضيقة لحكومتها وعدم الكفاءة الفادحة».
فيما ظل بومبيو يحاول لفترة طويلة إقناع الدول الأوروبية بتجنب تعميق التعاون الاقتصادي مع الصين والشركات الصينية، مشيراً إلى «اتهامات لا أساس لها»، بأن الوجود الاقتصادي للصين في دول أخرى «ليس من أجل شراكات مخلصة»، وأن تقنية الجيل الخامس (5G) لشركة هواوي، تشكل مخاطر أمنية عالية.
ورداً على ذلك، قال دي مايو إن «إيطاليا تدرك جيداً الحاجة إلى ضمان أمن شبكات الجيل الخامس. إنها أولويتنا المطلقة».
في يوم الخميس، أعلنت شركة هواوي في إيطاليا (Huawei Italy)، أنها ستفتح مركزاً للأمن السيبراني والشفافية في روما العام المقبل، الأمر الذي سيسمح للزبائن والحكومة ومنظمات الاختبار المستقلة من طرف ثالث، بإجراء اختبارات أمان عادلة وموضوعية ومستقلة، وفقاً لمتحدث باسم الشركة.
وفي حدث أقيم الخميس، قال لويجي دي فيتيشيس، رئيس هواوي في إيطاليا «لا أستطيع أن أتحدث عن أن دولة بحجم الولايات المتحدة تهاجم دولة أخرى من خلال التشهير، ومن خلال اتهامات لا أساس لها، ضد شركة من تلك الدولة».
وفي المقابلات التي أجراها بومبيو مع وسائل الإعلام الكرواتية، واصل الترويج لأفكاره المعادية للصين، والتي وصفتها «هينا– Hina» بأنها «تهدف للحد من التأثير الصيني عالمياً».
ورداً على شكوك بومبيو بشأن مبادرة الحزام والطريق، خلال مؤتمر صحافي مشترك، وصف رئيس الوزراء الكرواتي أندريه بلينكوفيتش مبادرة التنمية العالمية التي اقترحتها الصين بأنها «ذكية».
وقال بلينكوفيتش «لقد كانوا أذكياء جداً في ابتكار هذه الصيغة من العلاقة والحوار السياسي والإطار الاقتصادي مع دول وسط وشرق أوروبا».
وأضاف بلينكوفيتش «نحن ندرك تماماً جميع جوانب هذه السياسة وهدفنا هو أن يكون لدينا مجال تحرك متساوٍ عندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين كرواتيا والأعضاء الآخرين في الاتحاد الأوروبي والصين وسوقها، وكذلك الوجود الصيني هنا وفقاً للقواعد الموجودة على المستوى العالمي والتي تضعنا في وضع السوق نفسه»، داحضاً الاتهامات بأن الاستثمارات الصينية في المنطقة «مفترِسة».
وفي آذار من العام الماضي، وقعت إيطاليا والصين مذكرة تفاهم للمضي قدما بشكل مشترك في بناء الحزام والطريق، خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للبلاد، وهي إشارة على الشعبية المتزايدة للمبادرة التنموية في أوروبا.
وقد حذر ستيفن أورلينز، (رئيس اللجنة الوطنية للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين)، الشهر الماضي، من أن الإدارة الأميركية الحالية «تحتاج إلى التوقف عن التشويه والمبالغة في تصرفات الصين»، والتوقف عن اعتبار الصين «منافساً استراتيجياً» لأن الصين «لا تمثل أي تهديد وجودي للأميركيين أو لبلادنا أو أسلوب حياتنا».
ودعا أكبر اقتصادين في العالم إلى «العمل معاً ضد التهديدات المشتركة للبشرية مثل تغير المناخ والإرهاب والأزمة الاقتصادية العالمية ووباء كوفيد– 19 الحالي».