أبناؤنا يدفعون الحساب سلفاً…
} د. سلوى شعبان
لا يُخفى على أحد ما يحصل في مطابخ السياسة والدهاء وفي أروقة الخبث والكراهية لتدميرنا من كافة النواحي والجوانب…
خمسون عاماً وأكثر بعد استقلال الكثير من الدول العربية ومسيرتها نحو بناء مستقبلها وكيانها وأركان قوّتها وتواجدها المحلي والدولي… إنجازات وحصيلة ميّزت العديد من الدول وكانت من أوائل الأسماء في لائحة التقدّم والحضارة العمرانية والبنى التحتية والمدن الاقتصادية الحاضنة للمال والذهب العالمي وللنفط الذي يغذي ويحرك دولاً كبرى.
تحركت تلك الدول لتولي الاهتمام ببناء أفرادها وشعوبها وأعطت المجال للانفتاح العالمي والاندماج التكنولوجي حتى أمست تضاهي مراكز التحكم العالمي تكنولوجياً باستهلاكها وطلبها لأجهزة صارت مطلب الصغير والكبير، وشركاتها التي تعمل وفق الحديث من التطوّر والدقة.
هذه الصورة العظيمة لم ترض من صكوا وعوداً لتقسيمنا وشرذمتنا، ولم ينعش قلوبهم استيقاظ وولادة أجيال العلم والتميّز والذكاء.
هنا بدأ التحوّل العظيم.. كيف لدول تحررت من نير الاستعمار أن تسمو وتعلو وتضاهي بفكر أبنائها وحضارة وجودها وتاريخها دول التقدّم المتحكمة بالعالم؟!
دولنا التي صار البعض منها في المراتب الاولى في المحور الإقليمي والدولي تقدًماً وفكراً ونهضة .
فخبرات شبابنا وتميّزهم أخذ دوره في دول الغرب والمهجر بالإنجازات والتفوّق والإختراعات في الطب والهندسة والعلوم وغيرها…
لكن المشهد المخبّأ في كواليس الكره والعداء يفوق ما نتوقع ونتخيّل. أعادوا حروبهم واحتلالاتهم وجاؤونا بربيعهم المدمى فأخذوا الفرح والبسمة والنظرة إلى مستقبل مزدهر،
دمّروا الحجر وأهلكوا البشر وحرقوا الشجر، وما اكتفوا… فتخطيطهم طويل الأمد، وما وفروا وسيلة للنيل منا.
فتخريب أدمغة أجيال واللعب على طمس الهوية وإضاعة الحقيقة وأصول التربية وتشويه مسار الأخلاق والانشغال والإندهاش بالبهورة المتعمدة للفت الإنتباه..
أعداد كثيرة من أبنائنا صارت تابعة للشهوات والإنحرافات والتسلية، أنواع مختلفة من المخدّرات تباع وضح النهار بتسميات متنوعة وجذابة…
فمثلاً حبوب الفيل الأزرق كما تعرف في بعض الأحيان بعقار الشيطان DMT مفعولها خلال 20 ثانية من تناولها ويمكن أن يستمرّ هذا المفعول لمدة تتراوح من ساعتين لثلاث ساعات، كما أنّ سعرها يتراوح ما بين 40 دولار إلى 100 دولار على حسب الدولة، ومدى توافر الأقراص وهي في الواقع حبوب محرّمة وممنوع تداولها دولياً، وتعتبر من الأقراص المميتة التي تساهم في الإصابة بالأمراض الخطيرة وربما الوفاة في الكثير من الحالات، حيث إنّ تأثيرها بالغ وفوري بعكس الكثير من الأقراص المخدرة الأخرى، وقد ظهرت العديد من الأقراص المخدرة الأخرى التي لها تأثير مشابه لحبوب الفيل الأزرق التي تزيد من قابلية الفرد للانتحار والموت المفاجئ.
وأثبتت دراسة علمية حديثة أنّ 75% من الأشخاص الذين تناولوا حبة الفيل الأزرق انتحروا أو تعرّضوا إلى خطر الانتحار أو ربما إلى الموت المفاجئ، وأنّ نسبة الـ 25% الذين بقوا على قيد الحياة أصيبوا ببعض الأمراض النفسية والعصبية الخطيرة، وامتلكوا ذاكرة وهمية مشوّشة لا أساس لها.
حبوب الفيل الأزرقDMT أيضاً تجعل الشخص يرى بعض الأشياء غير المتوقع حدوثها في الحياة اليومية، وتكشف بعضاً من الأمور الشخصية.
تصنع حبوب الفيل الأزرق من بعض النباتات التي تمّ اختيارها بعناية شديدة، حيث يتمّ تصنيع هذه المادة الفعّالة داخل بعض المعامل أو المصانع الأخرى نظراً لخطورتها على صحة الإنسان وخطورة المادة نفسها.
وقد يتجه المتعاطي لاغتصاب أقرب المحرمات له دون معرفة من هي لشدة تأثيره الشيطاني المقيت.
هذا مثال مصغر مما يحضر لأبنائنا، وهي تصل لأسواقنا وبكميات ضخمة وتباع ويروّج لها ونحن منشغلون بأتفه سبل الحياة والبحث عن البقاء…
لن ننسى الألعاب الإلكترونية وتغلغلها الخبيث أيضاً بين أيدي أطفالنا وشبابنا وتبعيتهم اللامعقولة واللامنطقية وأمام ناظري أهاليهم ودون دراية ووعي للوصول لمرحلة الانتحار والانفصام الشخصي والجنون…
كلّ هذا ونحن نتفرّج ونتحدث ونحلل ولا حلول واقعية… أما تساءلنا عن تلك الصرعات التي تنتشر بين الحين والآخر؟ من موضة ملابس أو تسريحات شعر أو طقوس يمارسها أفراد الجيل الصاعد تقليداً أعمى كالدمى المسيّرة ولماذا تنتشر ومن وراءها والغاية منها؟! حروب مخفية بالإشارة وبالوكالة والترغيب تسير وتحدث من أدهى عقول تدخلت في أدقّ تفاصيل بيوتنا وحياتنا وخلايا أجسامنا..
نحن شعوب الاستهلاك وحقول التجربة.. نحن شعوب الهلاك والهاوية.. نسينا المبادئ بحجة الحضارة.. تبعنا الضياع بحجة العصر والعولمة..
وبالخلاصة دوماً يدفع أبناؤنا الثمن بالحروب المباشرة والغير مباشرة..
هذه أمثلة مقتضبة مما يجهّز ويحضر للنيل منا ومن كياننا الإنساني والأسري، وجميعنا نطلب الوعي والخوف والانتباه ونتحدث بلسان غيرنا… ولا نبحث عن الحلّ الفوري والسليم…
حان الوقت أن نستفيق من كبوتنا…