ربيع المقاومة الواعد…
د. يوسف الحاضري*
استطاع الكيان الصهيوني الاستحواذ على ثروات الشعوب العربية واحتلال الأراضي والأجواء والبحار العربية وأيضاً تطويع شعوبها لخدمتها سواء تحت مسمّيات جيوش أو أجهزة أمنيّة واستخباريّة وإعلاميّة ودينيّة وتعليميّة وغيرها منذ أكثر من 70 عاماً وذلك عبر ما أسمتهم حكاماً لدولٍ عربيّةٍ مستقلة، فكانت وما زالت موانئنا البحريّة العربية وقنواتنا المائية (كباب المندب وهرمز والسويس وجبل طارق) تخدم الصهاينة، وكانت وما زالت كثير من أجوائنا مباحة لطيرانهم حتى قبل ما سُمّي مؤخراً (التطبيع) إمّا بطيران ذي مسمّى «إسرائيلي» واضح أو ذي مسمّى عربيٍّ (كالإماراتية أو السعودية أوغيرهما) وكلّ الشركات التنقيبيّة للثروات النفطيّة والعناصر الثّمينة (الذهب والحديد وغيرهما) شركات صهيونية بعدّة مسمّياتٍ مختلفةٍ، ففي وقت كان أعلى هدف عند الإنسان العربي هو الحصول على راتب من (الدّولة أو الكيانات الوظيفية) التي تلتزم منذ نشوئها بالسياسات الأميركية الصهيونية والتي تحكمه ليأكل ويشرب وفي حالاتٍ نادرة ليمتلك بيتاً وسيارة كأهداف ماديّة مجرّدة من كلّ حقائق وجوده وخلقه واستخلاف الله له، كان هدف الصهيوني المستعمر إغراق هذا العربي في التسليم والاستسلام له بشتّى الطّرق والوسائل .
وما كان بمقدور العدو أن يحقق ذلك ولو تحرّك بكامل قوّته وجيوشه حتى لو كانت جيوش أوروبا وأميركا معه، لأنه سيواجه ممانعةً ورفضاً شعبيّاً وثورات متجدّدة، غير أنّ تخطيطاً معيناً أنبثق منه أمران إثنان أوّلهما «إنتاج حكّامٍ صهاينة تحت مسمّيات عربيّة» وتنصيبهم على الدول العربية ومن خلالهم يتمّ تطويع الشعوب العربية عبر الإعلام والمناهج الدراسيّة والسينما ليتعلّقوا بهؤلاء الحكّام، ولكي يزداد التعلّق بهم يستخدم هؤلاء الحكام الصهاينة العرب كمصطلحاتٍ إعلاميّة تناهض الكيان الصهيوني اليهودي مناهضةً لفظيّة فقط (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنّا) في وقت أنّ أعمالهم وتحرّكاتهم تخدم الصهيونية، (وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنما نحن مستهزئون) من خلال تسخير الشعوب لما فيه مصلحة الصّهاينة.
وثاني هذه الأمور الجانب الرّوحي أو الديني الذي يرتبط به الإنسان العربي ارتباطاً قوياً من خلال (إنتاج فقهاء السلطة والبلاط وعلماء دين إسلامي أصولهم صهيونية) يقع على عاتقهم مهمة تسهيل تطويع الشعوب عبر المنابر والتلاعب بالتوجيهات الدّينية وتثبيط همم الشعوب وحرف بوصلة العداء واستغلال الطاقات المناهضة للأعداء في قلوبهم وأرواحهم ضدّ أعداء آخرين ليسوا بأعداء أو الأصحّ هم أقوى أعداء الصهاينة ليتكامل الجانب السياسي مع الديني بما يخدم تواجد الصهاينة وأهدافهم التوسعيّة والاستعماريّة والتحريفية لحقيقة دينهم وتوجيهاته.
أكثر من سبعين عاماً ومحاولات تلك الأنظمة الوظيفية لم تيأس من محاولات تسخيرنا جيوشاً ومثقفبن وعمالاً ومواطنين وعلماء وغيرهم خدمة للصهيونية بشتى الطرق والأساليب، وما إن تظهر حركةٌ واعيةٌ مناهضةٌ للصهيونية وللحكام العرب الصهاينة حتى يتمّ القضاء عليها بشتّى الطرق والوسائل مستخدمين في ذلك الأجهزة والأسلحة العسكريّة والأمنيّة والمخابراتيّة العربيّة الوطنيّة ليس خوفاً على مناصبهم وكراسيهم، وإنما خوفاً على تواجد الصهاينة وتمكنهم ليظهر للعالم أنّه صراعٌ داخلي وإلا ما شاهدنا سقوطاً كثيراً من هؤلاء الحكام والعلماء مع بقاء تواجد وتوسع الصهاينة لأنّ هؤلاء الحكام يفدون الصهيونيّة بأرواحهم ودنياهم وآخرتهم (أما دينهم فهم لا يدينون إلّا بدين الصهيونية) فالدين الإسلامي لا يجعلهم خداماً إلّا لله وللمستضعفين.
وفي حالة عجز الصهيونية وخدّامها في بعض البلدان عن إخماد أيّة حركةٍ تحرريةٍ حقيقيةٍ إسلاميّةٍ يتجهون إلى التحالفات العالميّة بغطاءٍ عربي تحت مسمّيات وعناوين مختلفةٍ كـ (الشرعيّة وحماية الثوار وحقوق الإنسان وغيرها) وأيضاً من خلال الحصار والتجويع (الحرب الاقتصادية) ونشر الأمراض والأوبئة (الحرب الوبائيّة) ونشر الفساد الأخلاقي والمفاهيم المغلوطة المنحرفة (الحرب الناعمة) وغيرها، وهذه رؤية شاملة ومختصرة للاحتلال الحديث الصّهيوني الذي يضمنون من خلاله إحكام قضبتهم على الدول المحتلّة دون أن تسقط قطرة دم صهيونيّة (مع سقوط شلّالات دماء عربية) مع إبقاء الشعوب في حالة ضياعٍ وتيه وتشتّت وحيرةٍ وبوصلةٍ مختلّةٍ لا تعرف أين قبلتها الحقيقية وعدوّها الذي يجب أن تتحرّك ضدّه وصديقها الذي يجب أن تعاضده وتسانده وتتحد معه وتتحرك به فيبقى الوضع الاستعماري قائماً.
عندما نتأمّل كيف استسلم الكيان الصّهيوني المتواجد جسداً وفكراً في أراضينا المحتلّة الفلسطينيّة بمجرد سقوط قتلى بعدد أصابع اليد تحت ضربات أبطال المقاومة في جنوب لبنان وفي غزة توقفوا عن حربهم العسكريّة العدائية غير أنّهم لم يستسلموا عندما سقط ويسقط المئات والآلاف من العرب المنخرطين تحت مسمّى (جيوش عربيّة وجماعات إرهابيّة) في اليمن وفي ليبيا وفي سورية بل ما زالوا مستمرّين في حربهم وعدوانهم وذلك لأنّهم يرون أنّ هؤلاء القتلى هم مجرد عرب من نجد أو الحجاز أو اليمن أو السودان أو سورية أو ليبيا أو الإمارات أو غيرها ممّن أنخرط تحت جيوشهم النظاميّة أو الإرهابيّة وأيضاً شهداء الطرف المعادي لهم من المقاومين لمشاريعهم في هذه البلدان يرون لزوم إبادتهم لأجل استمرار أهدافهم واستعمارهم وتواجدهم في كلّ الأوطان العربية لذا لا يهمّهم هذه الدماء إطلاقاً ومن هنا نرى أهمّ أسباب إطالة هذه الحروب.
من الضروري التحرّك السليم والسوي لكلّ شعوب البلدان العربية ضدّ التواجد الصهيوني برؤية حقيقيّةٍ منبثقةٍ من الرؤية اليمنيّة المتجسّدة في «أنصار الله» وذلك البدء باجتثاث جذور الأنظمة الحاكمة السياسية والدينيّة والفكريّة والثقافيّة التي زرعها الصهاينة في أوطانهم كما أجتثّ «أنصار الله» تلك التي كانت تمثّل الصهيونية في اليمن لأكثر من 50 عاماً ويجب أن تنتقل التجربة السّديدة إلى الأراضي المحتلّة في نجد والحجاز والإمارات وغيرها… وتتحرّك الشعوب هناك في نفس المسار التحرّكي الذي تحرّكه الشعب اليمني كتجربةٍ عمليةٍ سليمةٍ سديدةٍ وترجمة عمليّة واضحة لتوجيهات النبي الأكرم في مثل هذه الأوضاع القائل فيها (إذا هاجت بكم الفتن فعليكم باليمن)، أيّ فعليكم بتجربة ومنهجية وتحرّك أهل اليمن وقوله (إني لأجد نفس الرحمن من اليمن) لذا كانت بداية التحرّر وتنفّس هواء الحرية من اليمن، ثم بعد اجتثاث تلك الأنظمة الصهيونية لينكمش ويتلاشى التواجد الصهيوني الأكبر في الأراضي العربيّة وينكمش ويتلاشى استغلالهم للأرض والثروات العربية ثم مباشرة سينكمش التواجد الصهيوني الأصغر وهو ما يسمّى (دولة إسرائيل) المحتلّ للأرض والدولة العربيّة الفلسطينية فتتحرّر كامل الأراضي ويتمّ استكمال التطهير الصهيوني من جميع الأراضي العربية التي طال استعمارها واستحمار شعوبها لأكثر من 70 عاماً، أمّا غير ذلك فلن نصل إلى الهدف السليم السوي لنا كعرب مضطهدين من قبل هذه العصابة وخدّامها، وعلينا نشر هذه الثقافة وهذه التوجهات في الأوساط العربية توعوياً وتنويرياً وتصحيحياً لتلك الانحرافات السياسيّة والدينية والفكريّة والثقافيّة وغيرها لتتحرّك الشعوب، فهي مسؤوليّة ملقاة على عاتق كلّ الناس وليست خاصة بفئةٍ معينةٍ والبقية ليس عليهم أيّة مسؤوليّة.
*كاتب وباحث في الشؤون السياسية