كيف يحاول أردوغان الاحتماء بالأميركيين وآل سعود
د.وفيق إبراهيم
تبدو السياسة التركية الخارجية على تناقض في معظم اتجاهاتها مع السياسات الأميركية والسعودية، خصوصاً في البحر المتوسط وليبيا وسورية والعراق، وأرمينيا وناغورني قره باغ ومعظم القوقاز حتى آسيا الوسطى، لكن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يجيد فنون الشد والربط والالتواء والتقدم والتراجع.
هذه المرة شعر أنه بحاجة لتغطيات كبيرة لأن مشروعه المنطلق كالسهم من أذربيجان الى معظم دول آسيا الوسطى بأبعاد الانتماء الموحّد الى القومية الطورانية العثمانية.. هذا المشروع يعترضه الروس الذين يرون فيه استهدافاً لهم في مداهم الإقليمي التاريخي منذ تأسيس الدولة السوفياتية قبل قرن وخمس سنوات وحتى 1989 تاريخ انهيارها.
لذلك يقدم المشروع التركي نفسه بديلاً من النفوذ الروسي، في القوقاز وآسيا الوسطى، محاولاً جعل تركيا البلد الأول المسيطر على الغاز في العالم، وذلك من خلال نفوذه في دول تمتلك هذه الطاقة كليبيا والعراق وسورية والبحر المتوسط، أو بواسطة دول البلقان كخطوط عبور أو مناطق احتواء على شاكلة خط أذربيجان – جيورجيا – تركيا لنقل الغاز من بحر قزوين الى البحر المتوسط.
هذا بالإضافة الى اكتشاف تركيا لكميات وازنة من الغاز في جزئها البحري في البحر الأسود، فتجتمع هذه المعطيات لتجعل دولة اردوغان مركزاً للإمساك بالغاز الطاقة الأساسية في العقود المقبلة، استناداً إلى ان المنظمات العالمية للطاقة تجزم بأن أعمار النفط لا تزيد في العالم الأساسي للاستهلاك عن 15 عاماً فقط.
الامر الذي يؤكد أن آليات اردوغان للتمدّد بواسطة الحروب او بالاعتماد على انتماءات قومية موحدة، ترمي للسيطرة على أكبر كمية ممكنة من الغاز لتحوز تركيا على قدر وازن من التفاعلات الدولية المقبلة مع إمكانات اقتصادية تؤهلها للتربع في زعامة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
لقد تأكد الاتراك ان الروس هم العقبة الاساسية التي تصطدم بمشاريعهم، خصوصاً في سورية وآسيا الوسطى، مدركين بعمق مدى حاجاتهم لتحالفات وازنة إسلامية وأميركية تعادلها في الاهميات، فبدا لتركيا ان إدلب هي الآلية المناسبة لخلط أوراق كبيرة تجذب انتباه ثلاث قوى: الروس والأميركيون والسعوديون.
لجهة اسباب الروس فواضحة وترتبط بحرص روسيا على تفكيك الصعوبات التي لا تزال تحول دون سيادة الدولة السورية الكاملة على أراضيها، وادلب بالطبع هي طليعة المعركة التي تتدحرج من منطقة إدلب وعفرين حيث الاحتلال التركي الى مناطق شمال وشرق سورية التي يحتلها الأميركيون بالتعاون مع منظمة قسد العسكرية الكردية وجناحها السياسي قسد، اللذين يريدان الانفصال عن سورية..
أما الأميركيون فيعتبرون إدلب خط الدفاع الأخيرة عن دورهم الاستعماري في سورية، لأنهم واثقون أن استعادة الدول السورية لها، هي مقدمة انتقال الجيش السوري وحلفائه الى شرق سورية وقاعدة التنف في الحدود الجنوبية. وهذا يعني الإنهاء الكامل للدور الأميركي في سورية، بما يمنح العراق أوضاعاً مميزة وقوية لدحر الأميركيين من اراضيه..
هذا ما يجعل الأميركيين حريصين على إبقاء الأتراك في إدلب مع تنظيماتهم الإرهابية والاخوانية، ويفرض على الروس ايلاء ادلب اهتماماً مضاعفاً لجهة سحب الأتراك والإرهاب منها. وهذا ما اعلنه امس الرئيس بشار الاسد. على مستوى السعودية فتشكل آلية من آليات المشروع الأميركي في الخليج وبلاد العرب والعالم الإسلامي، لكنها تشعر بكميات كره وحقد إضافيتين من سياسات اردوغان، وتخشى من محاولاته لبناء زعامة إسلامية تركية على حساب أهمياتها.
إلا انها في موضوع ادلب تعتبر ان استعادة الدولة السورية لها أكثر خطورة عليها من عدائها لتركيا، ما يجعلها تعمل على خطين: تأييد تركيا للبقاء في إدلب ودعم بعض التنظيمات الارهابية فيها، اما الخط الثاني فهو محاولات سعودية وإماراتية لعقد مصالحات تخدم الاحتلال الأميركي لشرق سورية بين العشائر العربية والأتراك، حتى ان وفداً سعودياً انتقل الى مناطق العشائر في الشرق مع مساعد وزير الخارجية الأميركي جيمس جفري ناقلين إغراءات بحجم مئات ملايين الدولارات.
هذه التحركات الروسية ـ الأميركية ـ السعودية في الآونة الأخيرة، انما ازدادت بفعل تصريح خبيث لاردوغان، أكد فيه أن تركيا لن تبقى في ادلب الى الأبد ما شجع الروس على فتح مفاوضات جدية سرية معه وأرغم الأميركيين على تأييده عبر مختلف القنوات الدبلوماسية، مُكرهاً السعوديين على تأييده في ادلب وبشكل حصري. فهل ينجح اردوغان في محاولاته؟ تقدمه نحو القوقاز هو اختراق لخط أحمر روسي يعادل أهمية سورية بالنسبة إليهم، وهذا يعني ان انفجار العلاقات الروسية ـ التركية لم يعد بعيداً.