بين فشل المبادرة والمبادرة بالفشل
} شوقي عواضة
لم يغب عن لسان رئيس الحكومة السّابق سعد الحريري ذكر سورية وحركة أمل وحزب الله طيلة لقائه التلفزيوني، مع تحميل حزب الله مسؤوليّة ما يجري في لبنان، محذّراً من وقوع حرب أهلية في البلاد، مبدياً خشيته من انهيار الدولة جرّاء ما يحصل من تسليحٍ وعروضٍ عسكريّةٍ في معظم شوارع بيروت، وفي بعلبك الهرمل (شرق) ومحمّلاً الثنائي الشيعي وحلفاءه مسؤوليّة فشل المبادرة الفرنسية، ملقيا باللّوم على حزب الله الذي تسبّب في فرض الحصار على الشعب اللبناني، داعياً الحزب كي يترك الشعب ليعيش، مضيفاً أنّ المجتمع الدولي استيقظ بعد ثلاثين سنة ليفرض عقوبات على الحزب، ومؤيّداً سياسة الحياد التي دعا إليها البطريرك صفير مشدّداً في نفس الوقت على أنّه دعم وسيبقى ما يسمّى (بالثورة السورية) ضد نظام الرئيس بشار الأسد، مستطرداً بأنّه لن يكون سبباً في تشتيت سنة لبنان.
وحول ترسيم الحدود البرية والبحريّة مع فلسطين المحتلّة أشار إلى أنّه أمرٌ جيدٌ ولو أتى متأخّراً وكان يجب أن يحصل منذ ثلاث سنوات، معتبراً أنّ عملية الترسيم جرت الآن بسبب وجود عقوباتٍ على بعض الشخصيات التي تريد أن تحمي نفسها.
وعن تشكيل الحكومة أجاب أنّه مرشحٌ حكماً في حال تمّ التوافق بين جميع القوى السياسية لن يقفل الباب من أجل إنقاذ لبنان، مبدياً استعداده لتحمّل كافّة مسؤوليته عن أيّة سياساتٍ خاطئةٍ دفعت بلبنان للوصول إلى هذا الحدّ من الأزمة الاقتصادية. لم يلتفت دولة الرئيس السابق بأنّ الأزمة الاقتصاديّة جاءت نتيجة لتبنّي سياسات والده رفيق الحريري والحكومات السابقة بعده لسياساتٍ اقتصادية فاسدةٍ بدأت منذ توقيع اتفاق الطّائف وتولي الحريري الأب لرئاسة الحكومة التي كانت أولى مشاريعها (الهيركات العقاري) عام 1990 بالتكافل والتضامن مع القوى السياسيّة من خلال تأسيس (شركة سوليدير) التي صادرت حقوق الناس وأملاكهم ونهبتهم بتغطية سياسيّةٍ كبيرةٍ وتحت عنوان تطوير البلاد. وهو نفسه ما يجري اليوم من تطبيق الهيركات المالي من قبل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمصارف وتغطية سياسية أيضاً، فكان الأوْلى به تحميل المسؤوليّة للسياسات الحريرية التي أفقرت الناس وأوصلت البلاد إلى ما هي عليه، وليس حزب الله الذي لم يكن حينها في الحكومة، وحتى بعد دخوله للحكومة كان يتصدّر معركة الدفاع عن حقوق الناس والمحافظة على لبنان ومؤسّساته، وكان أول من تصدّى لسياسة خصخصة المؤسّسات التي يؤيدها الحريري ولا يزال متمسّكاً بها حتى اليوم ضمن سياسة تفريغ الدولة وإضعافها وبالتالي جعلها رهينة لحلفائه السعوديين الذين دمّروا سورية والعراق وليبيا واليمن بفضل هباتهم الملكية التسليحيّة ودعمهم لداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية دون أن ننسى مكرمات المملكة على لبنان بالسيارات المفخّخة التي أودت بحياة مئات الأبرياء من الشهداء والجرحى.
لم ننسَ يا دولة الرئيس أنّ امراء المحاور في الشمال وحشودهم المسلحة ما كانت لتوجد لولا الدّعم السعودي والتركي لها، ذلك السلاح الذي لم يرفع ليدافع عن لبنان في مواجهة أيّ عدوانٍ «إسرائيلي» أو إرهابي تلك الحشود المسلحة التي تحدّثت عنها فهي حشود جنرالاتك السابقين وحشود شقيقك بهاء التي ظهرت في الشمال وفي بيروت وعلى الطرقات قطعت طرقات الجنوب والبقاع في حين كان ولا يزال سلاح حزب الله والمقاومة وحلفائها موجّهاً نحو العدو ومهمته حماية الوطن بالأرواح والدّماء من أجل السيّادة الحقيقية. ولولا ذلك السلاح لتحوّلت أراضينا إلى مستعمرات لقطعان المستوطين أو كانت إمارات داعشية. كان الأولى بك يا دولة الرئيس أن تفتخر بتلك المقاومة وسلاحها ودعمك لها لا بدعمك لما يسمّى بالثورة السورية التي تتبناها تحت عنوان «المحافظة على السنّة»، والسنة ما كانوا عبر التاريخ إلا مقاومين ومقاتلين من أجل فلسطين فأيّ حياد ذلك الذي تطالب به المقاومة بموقف حيادي ضدّ عدو احتلّ وقتل وارتكب المجازر وشنّ العدوان على لبنان وصدّر إرهاباً أتحفنا بسياراته المفخّخة وأمعن فينا ذبحاً وقتلاً. في حين تعلن تبنّيك لدعم ما يسمّى بالثورة السورية فقبل أن تدعو حزب الله لأن يترك الناس ليعيشوا عليك أن تعتق أولئك السوريين من دعمك لثورتهم وتدعهم يعيشون بسلام آمنين، كان الأجدى بك أن تقف إلى جانب المقاومة والشعب الذي يعاني من حصار فرضته عنجهية أميركا والكيان الصهيوني أو على الأقلّ أن تقف بوجه تلك العنجهية من أجل سيادة لبنان. وقبل أن تحمّل المقاومة وحلفاءها مسؤولية ما يجري عليك أن تقرأ في كتاب سياساتكم الاقتصاديّة المرتهنة للخارج منذ ما بعد الطائف وحتى اليوم. وقبل أن تحمّل فشل المبادرة الفرنسية للثنائي الشيعي الذي تمسّك بك وقاتل من أجلك عليك أن تصارح الناس بكلّ أسباب الفشل في تشكيل الحكومة وأن تعلن للشعب اللبناني أنّ أغلب مرشحي حكومة الرئيس المكلّف مصطفى أديب من حملة الجنسيات الأميركيّة والفرنسية، وأنّ أصحاب السمو يريدون أن يعوّضوا عن هزائمهم في سورية والعراق واليمن من خلال لبنان، كان بإمكانك يا دولة الرئيس أن تعلن بكلّ جرأة أنّ حكومة كهذه تعني تحويل لبنان إلى شركة أميركيّة وفرنسية بامتياز يصبح اللبنانيون بموجبها أجراء يعملون للحصول على قوت يومهم، وهذا ما لم يتحقّق مهما كان الثمن…!