المواطن السوري الحلقة الأضعف… بين نهايات الحرب والأوضاع المعيشية
د. حسن مرهج
مع بداية الأزمة في سورية وتسارع الأحداث السياسية والعسكرية، ظنّت غالبية السوريين أنّ أبعاد هذه الحرب لن تطال كافة جوانب حياتهم، وكان الاعتقاد السائد بأنّ الهجمة الدولية تجاه سورية، لن تطول لأسابيع، ورغم ذلك بقي السوريون بحالة من التوجّس جراء تداعيات هذه الحرب، وازدادت الهواجس نتيجة الاستهداف الممنهج للبنى التحتية وتدمير المنشآت الاقتصادية، الأمر الذي طرح بموجبه ضرورات استثنائية تتعلق بقراءة الحدث السياسي، وانعكاساته على واقع المجتمع السوري، وضمن ذلك كان من الضروري مقاربة التطورات بجانبها الاقتصادي وتأثيراتها العميقة التي تؤطر حياة السوريين، خاصة أنّ اشتداد الحرب ومفرداتها في السياسة والعسكرة والاقتصاد، زجّ بتحديات من شأنها أن تزيد الضغط على السوريين، الذين ما فتئوا يطالبون بتحسين أوضاعهم المعيشية، وزيادة الأجور ومحاربة الفساد، وضرب تجار الحرب أو ما بات يعرف سورية بأنهم دواعش الداخل.
حقيقة الأمر أنّ المواطن السوري كان الحلقة الأضعف، في سلسلة الحرب التي شنت على سورية، فما بين هجمات الإرهابيين وخباثة التعاطي السياسي الغربي مع الحرب، فضلاً عن العقوبات الأميركية التي لم تؤثر على مفاصل النظام السياسي والاقتصادي في دمشق، بقدر تأثيراتها على المواطن السوري وحاجاته اليومية، حتى أنّ بعض «دواعش الداخل أو التجار»، استغلوا هذه العقوبات لصالحهم وصالح من خلفهم من متنفذين ومسؤولين ومدراء وأصحاب قرار، ليزيدوا طين المواطن السوري بلة، لتكون النتيجة غلاء فاحش وتدوير للأزمات دون إيجاد حلول منطقية، وارتفاع في أسعار المواد الغذائية، ليصل الحال ببعض السوريين إلى العزوف عن شراء غالبية المواد، والاكتفاء بما يسدّ رمقهم اليومي.
الرئيس الأسد يدرك تفاصيل الأزمة المعيشية التي تعصف بالمواطن السوري، لكن حقيقة الأمر لا توجد عصا سحرية تعيد الأوضاع إلى ما قبل عام 2011، لكن بذات التوقيت، فإنّ الأسد يدرك بأنّ تتابع الحلول وتشريع القوانين، كفيل بمحاربة الفاسدين وتأطير توجهاتهم، وفي المقلب الآخر فإنّ الرئيس الأسد قالها صراحة في أحد خطاباته بأنّ المواطن السوري لم تعد تعنيه التصريحات والقرارات بل يريد حلولاً جذرية، وهذا مطلب محق وضروري، إذ تأتي هذه الضرورة من منطلقات تعزيز صموده في مواجهة الحرب المفروضة عليه، خاصة أن تتابع الأزمات من الخبز إلى المحروقات، قد يؤدي إلى إحداث شرخ بين المواطن وحكومته، ما يعني نجاح جوهر السياسات الغربية ضدّ سورية.
لذلك وضمن ما سبق، فإنّ المواطن السوري بحاجة إلى قرارات تناسب واقعه، تقوم بردم جزء من الهوة بين الدخل في سورية، وبين المتطلبات اليومية، إذ لم يعد قادراً على التوفيق بين الأسعار الملتهبة يوماً بعد يوم، وبين الدخل الهزيل. وعليه فإنّ كلّ ما سبق يضعنا أمام حقيقة أساسية لا بدّ من الإضاءة عليها، تتمحور حول ضرورات هذه المرحلة الاقتصادية الحساسة، فبعد أن تمّ توضيح جانبي الحرب السياسي والعسكري وانتصار دمشق فيهما، بات من الضروري العناية بالاقتصاد السوري وترميمه بالسرعة القصوى، فالسوريون على حافة الانهيار الاقتصادي، وهذا من شأنه إحداث شرخ بين المنجزات السياسية والعسكرية التي حققتها الدولة السورية وجيشها، وبين لقمة العيش التي تؤرق غالبية السوريين.
لا بدّ من التنويه إلى جزئية غاية في الأهمية تتعلق بعمق السياسات الغربية ضدّ سورية، ولطالما تحدثنا عنها في مقالات عديدة، إذ يبدو واضحاً أنّ جوهر هذه السياسات يعتمد وبشكل أساسي على استهداف صمود الشعب السوري، ومحاربته بلقمة عيشه، لإبعاده وإشغاله عن وطنه وما يتعرّض له من حرب سياسية وعسكرية، فما أثبتته سنوات الحرب على سورية، بأنّ السوريين وفي وعيهم الجمعي أدركوا أنّ الحرب متعددة الجوانب، إضافة إلى وقوفهم بجانب دولتهم وجيشهم ومحاربتهم الإرهاب، والغرب أدرك هذا المعطى، وعليه كان لا بدّ من وضع خطط جديدة تعمل في المستويات كافة، وتحديداً في الجانب الاقتصادي المؤثر مباشرة على السوريين، وبالتالي فإنّ إشغال عموم السوريين بالأزمات المتعدّدة والتي جلها يأتي في إطار الحصار على سورية، يأتي لهدف واحد لجهة التخلي عن الدولة، ونسف المعادلة التي أدّت إلى انتصار السوريين في الحرب العسكرية ضدّهم وضدّ دولتهم وجيشهم.
في المحصلة، لا شكّ بأنّ للحرب إفرازاتها على المستويات كافة، لكن لا بدّ من إيجاد البدائل وتفعيلها بما ينعكس ايجاباً على حياة السوريين، ومن الأهمية بمكان، أن تتمّ هندسة القرارات الاقتصادية بطريقة تناسب المواطن السوري أولاً وأخيراً، مع مراعاة ما سبّبته الحرب تجاه معيشة السوريين، وبذلك يتمّ حماية المواطن الذي يمثل الحلقة الأضعف بين نهايات الحرب والأوضاع المعيشية، من كلّ المحاولات الغربية الرامية للتأثير على صموده واستهداف سنوات المنجزات السورية، من هنا على المسؤولين السوريين أن يعوا هذه الجزئية، وتنفيذ رؤية الرئيس الأسد المتعلقة بالاقتصاد، وبهذا يتمّ إنقاذ سورية والسوريين.