مخاوف من تدخل خارجيّ وإرهاب داخليّ وحرب أهليّة في انتخابات الرئاسة الأميركيّة..
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركيّة، يكثر الحديث عن المخاوف التي قد تسبقها أو تتزامن معها أو تعقبها في ظل الظروف التي تحيط بها، والغموض الذي تتسم به.
في هذا الصدد، نشرت صحيفة الغارديان مقالاً كتبه ريتشارد لاسكومب بعنوان «الجمهوريون يعبرون عن مخاوفهم من خسارة ترامب للانتخابات الرئاسية». ويشير الكاتب إلى أن «السيناتور الجمهوري تيد كروز يخشى من حمام دم في الانتخابات. كما أن زميله السناتور الجمهوري الكبير توم تيليس دائماً ما يتحدث عن رئاسة جو بايدن. وحتى ميتش ماكونيل، رئيس الأغلبية الموالية بشدة في مجلس الشيوخ، لا يرغب حتى بالاقتراب من البيت الأبيض بسبب تعامل دونالد ترامب مع بروتوكولات فيروس كورونا».
ويرى الكاتب أنه «على المستوى الفردي، يمكن القول إنها تعليقات خارجة عن المألوف من حلفاء ترامب الذين يحاولون حشد الدعم للرئيس الأميركي قبل أيام فقط من الانتخابات العامة التي تظهر استطلاعات الرأي أنه يخسر بشكل متزايد».
ولكن بشكل جماعي، جنباً إلى جنب مع التصريحات الصادرة عن العديد من الجمهوريين الآخرين الذين يبدو أنهم «ينؤون بأنفسهم عن ترامب وإدارته وسياساته»، ويعتقد الكاتب، أن «ذلك يعكس القلق المتزايد داخل الطبقة العليا في الحزب الجمهوري من أن 3 تشرين الثاني، قد يكون فوزاً كبيراً لجو بايدن والديمقراطيين».
في أماكن أخرى، بحسب المقال، «أصبح استياء الجمهوريين من ترامب واضحاً بشكل متزايد، خاصة بين المرشحين الذين يخوضون سباقات انتخابية ضيقة خاصة بهم».
ويمكن رؤية تعليقات ماكونيل حول سبب عدم زيارته للبيت الأبيض لمدة شهرين على الأقل في سياق مختلف، نظراً لأنه يبلغ من العمر 78 عاماً وفي الفئة العمرية نفسها المعرضة للخطر، تماماً مثل الرئيس المصاب بالفعل.
ويختم الكاتب مقالته بالقول إن «هذه المعارضة من حليف ترامب القوي لم يسمع بها من قبل خلال السنوات الأربع للرئاسة. ويبدو أن كلمات ماكونيل تعكس التهديد الذي يشكله رد الفعل العكسي، على مستوى البلاد، على معالجة ترامب للوباء على الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ».
فيما يقول الدكتور بيل مارسيلينو أحد كبار أساتذة العلوم السلوكية ومجموعة من الأساتذة الآخرين في تقرير نشرته مؤسسة «راند» الأميركية إنه «في ضوء التهديدات التي تعرضت لها الانتخابات الأميركية في الماضي، من الممكن أن تحاول أطراف فاعلة خارجية مرة أخرى التأثير على الحملة السياسية الأميركية لعام 2020 عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي».
ويؤكد التقرير أنه «تم اكتشاف أدلة قوية على حدوث تدخل في انتخابات عام 2020 من خلال حسابات بعض مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي تويتر، حيث أصبح من الواضح أن العملاء الذين يعملون لحساب الحكومة الروسية بدأوا محاولة متطورة للغاية لنشر المعلومات الشريرة التي تهدف إلى نشر الفوضى وتأجيج الانقسامات بين الناخبين وتقويض الثقة في الديمقراطية الأميركية. وهذا التدخل يخدم مصالح روسيا». وقد حدد التقرير بعض الوسائل التي يمكن استخدامها لكشف الحسابات المشكوك فيها.
ونظراً لخطورة هذا التهديد والمخاوف من استمرار مثل هذه التهديدات، من المهم تحسين طرق كشف هذه المحاولات. وأوصى التقرير بـ»مواصلة ابتكار وسائل جديدة للتعرف على محاولات نشر المعلومات، ومواصلة الإعلان عن التهديدات، وأهدافها، وأساليبها».
من ناحية أخرى، قال برايان ميخائيل جنكينز كبير مستشاري مؤسسة راند إن «الولايات المتحدة تعاني من انقسام عميق في الوقت الحالي، كما أن النظام السياسي في حالة استقطاب. وأصبح الخطاب السياسي العام يتناول نظريات مؤامرة غريبة، ويبدو أن هناك جهوداً تبذل عبر الرسائل بهدف نزع شرعية انتخابات الشهر المقبل». فالرئيس دونالد ترامب يرفض أن يقول إنه سوف يلتزم بنتائج الانتخابات. وتحدّث أحد المسؤولين عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن شراء ذخيرة والاستعداد للعنف. ويحذر بعض الخبراء من نشوب حرب أهلية.
وأكد جنكينز في تقرير نشرته مؤسسة راند الأميركية أن «القلق الذي تعيشه الولايات المتحدة حقيقي وله ما يبرره. وربما يتميز كبار السن من الأميركيين إلى حد ما بالقدرة على تجنب الانزعاج، فهم شخصياً يتذكرون فترة الستينيات ومطلع السبعينيات المضطربة في القرن الماضي عندما كانت البلاد في حالة حرب في الخارج وحالة حرب مع نفسها في الداخل».
لقد كانت فترة عنيفة شهدت عمليات إعدام خارج نطاق القانون، وتفجيراً للكنائس، وتحدياً صريحاً للحكومة الاتحادية، وعمليات اغتيال وأعمال شغب، واستقالة رئيس لم يسبق لها مثيل، وحملة سياسية تمييزية واضحة تهدف إلى تولي مجلس النواب الأميركي مسؤولية الانتخابات حيث يمكن لمؤيدي هذه الحملة في المجلس تحديد اختيار الرئيس الجديد.
وأضاف أن «المؤسسات الأميركية صمدت آنذاك، لكن هل سيمكنها الصمود مرة أخرى الآن؟ وما هي احتمالات اندلاع إرهاب داخلي في سياق الانتخابات الأميركية؟».
وقال جنكينز إن «الإجابة الأمينة هي أننا لا نعرف ما سوف يحدث، لكن من الممكن بحث بعض الاحتمالات وتخمين ما قد يحدث، وهذا لن يساعدنا في التنبؤ بالمستقبل، لكن قد يساعدنا في الاحتفاظ برباطة جأشنا.
فالخلاف حول الحد من تفشي فيروس كورونا والعنصرية في أميركا قد يوضح ما يمكن أن نراه مع الانتخابات المقبلة. فليس من المحتمل بطبيعة الحال أن نشهد انتخابات هادئة فهناك احتجاجات مستمرة في أنحاء البلاد بسبب العنصرية وتصرفات الشرطة منذ أيار الماضي. ورغم أن معظمها كان سلمياً، إلا أنه كانت هناك مواجهات عنيفة، وهجمات على الممتلكات الاتحادية، وأعمال سلب ونهب. وسعى المتطرفون من جانبي الطيف السياسي لبدء أعمال عنف. كما أن رجال الشرطة الغاضبين الذين يشعرون بالإرهاق تصرّفوا بصورة مبالغ فيها أحياناً. ومن الصعب تخيّل انتهاء كل ذلك فجأة يوم الانتخابات».
وحذر البعض من «اندلاع حرب أهلية جديدة»، ولكن هذا النوع من الصراع المسلح يبدو مستبعداً. ولكن هناك احتمالات تتراوح ما بين القيام باحتجاجات عامة تصحبها حالات عنف منفردة، وبين القيام بأعمال عنف واسعة النطاق وأعمال انتقامية في صراع سياسي طويل الأمد.
أما بالنسبة لعملية التصويت نفسها، فإن أيّ حالات سوء تفاهم يمكن أن تؤدي إلى مواجهات غاضبة وطوابير طويلة تنجح فقط في تعقيد وإبطاء العملية الانتخابية. وبعض الولايات تخشى من تواجد جماعات مسلحة في أماكن الاقتراع مع افتقارها لأي قوانين تحظر ذلك. والتهديدات بتفجير قنابل أمر عادي في مراكز الاقتراع. ومن الممكن اندلاع احتجاجات غاضبة إذا ما بدا أنه تم حرمان أعداد كبيرة من الناخبين من حق التصويت.
ولا يمكن إغفال ما يمكن أن يحدث من تأجيل في إعلان نتيجة الانتخابات لأسباب مختلفة قد يحتاج حسمها اللجوء للقضاء، وما سوف يصاحب ذلك من احتجاجات ومواجهات من جانب أنصار المرشحين الجمهوري والديمقراطي.
وقال جنكينز في ختام تقريره إن «أيّ عنف قد يحدث وله علاقة بالانتخابات من الممكن أن تكون له تداعيات. فمن الممكن أن تظهر حملات إرهابية منظمة، وإذا حدث ذلك، فمن المحتمل أن يستمر لفترة أطول من الوقت».
ففي أعقاب فترة ستينيات القرن الماضي المضطربة، قام عدد من الجماعات اليسارية المتطرفة وغيرها من العناصر الفاعلة بحملات تفجير استمرت لسنوات. وليس من المستحيل إمكانية أن تصبح هذه الفترة من القرن الحادي والعشرين عقداً مضطرباً.