بين تشكيل الحكومة ومفاوضات الترسيم الضغوط الأميركية ستزداد…
} حسن حردان
انتظروا ماذا سيقول رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عشية بدء الاستشارات، أو خلالها، عن غايته من إعلان ترشيح نفسه لتولي تشكيل الحكومة الجديدة… هل سيتراجع عن موقفه المتمسّك بالتفرّد بتأليف حكومة من الاختصاصيين يسمّي هو جميع وزرائها من دون مشاركة الكتل النيابية التي من غيرها لا يمكن أن تحصل هذه الحكومة على الثقة في المجلس النيابي…
فإذا ما أصرّ الرئيس الحريري على هذا الموقف فهذا يعني أنه سيصطدم برفض رئيس الجمهورية الذي يمنحه الدستور حق الشراكة في تشكيل الحكومة وكذلك الإشراف والسهر على حسن تطبيق مواد الدستور وعدم مخالفة القواعد التي ينص عليها في تشكيل الحكومات ما بعد الطائف، والتي يجب أن تضمن مراعاة التمثيل النيابي والطائفي في آن.
كما أنه، إذا أصرّ الحريري على تجاهل صلاحيات رئيس الجمهورية ودور الكتل النيابية لا سيما الأغلبية منها، فهذا يعني علينا أن ندرك أنّ الأمر مرتبط باستمرار الفيتو الأميركي السعودي بعدم الموافقة على تشكيل أيّ حكومة جديدة يشارك فيها حزب الله وحلفاؤه…
ويبدو من خلال قراءة الموقف الأميركي المعلن وما يكتب من توصيات في مراكز الأبحاث الأميركية بشأن السياسة التي يجب أن تتبّع في لبنان في هذه المرحلة، يتبيّن له أنّ سياسة الإدارة الأميركية لم تتبدّل بعد التوصّل إلى اتفاق الإطار للشروع في مفاوضات غير مباشرة مع العدو الصهيوني لترسيم الحدود البحرية والبرية اللبنانية مع فلسطين المحتلة… بل على العكس فإنّ واشنطن تربط بشكل واضح بين هذه المفاوضات، والتي ستنطلق يوم الأربعاء المقبل، وبين تشكيل حكومة لبنانية تكون أكثر مطواعية في تلبية تحقيق ما تسعى إليه كلّ من واشنطن وتل أبيب، انْ كان لناحية ترسيم الحدود، أو لناحية العمل على إقصاء حزب الله وحلفائه عن السلطة والتمهيد لمحاصرة المقاومة ونزع سلاحها…
في هذا السياق يتضح أنّ الخطة الأميركية المعتمدة في لبنان لا تزال تسعى الى ما يلي…
أولاً، استغلال الانهيار الاقتصادي والأزمة المالية في لبنان وحاجته الماسّة للإسراع في استخراج الغاز من مياهه الإقليمية، لزيادة منسوب الضغط الأميركي على الموقف الرسمي اللبناني لإجباره على إبداء المرونة في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية… خاصة لناحية تحديد النقطة الحدودية الفاصلة في رأس الناقورة التي ستشكل منطلق عملية الترسيم… حيث يحاول العدو الصهيوني تغيير هذه النقطة المثبتة في اتفاق الهدنة عام 1948، بما يمكنه من الحصول على جزء من مياه لبنان الإقليمية الخالصة في البلوك رقم 9 الغني بالغاز.
ثانياً، منع حزب الله والتحالف الوطني من الاستفادة من استخراج الغاز لمعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية، والعمل على ربط بدء الشركات الغربية في عمليات التنقيب واستخراج الغاز، بعد إنجاز اتفاق ترسيم الحدود، بإنجاز الإصلاحات السياسية التي تطالب بها واشنطن لإحداث تغييرات في هياكل السلطة، وذلك عبر فرض إجراء انتخابات نيابية مبكرة وسنّ قانون انتخاب جديد، فضلاً عن تنفيذ الإصلاحات المنصوص عليها خلال اجتماع باريس في كانون الأول الماضي والتي تستهدف إخضاع لبنان للسياسة الغربية الاستعمارية الداعمة لكيان العدو الصهيوني.
ثالثاً، مواصلة فرض العقوبات ضدّ الشخصيات السياسية الحليفة لحزب الله، للضغط عليها لتسهيل إجراء الإصلاحات المذكورة آنفاً، وبالتالي جعل عملية استخراج الغاز محطة لفرض إنجاز تغيير السلطة السياسية لمصلحة إعادة إنتاج سلطة تهيمن عليها القوى الموالية لواشنطن والمستعدّة لتنفيذ السياسات الأميركية للتخلص من المقاومة وسلاحها واستطراداً إعادة لبنان إلى زمن «قوّته في ضعفه» وليس كما هو الآن «قوّته في مقاومته» والمعادلة الذهبية «جيش وشعب ومقاومة».
انطلاقاً مما تقدّم، فإنّ ما هو متوقع أن يشكل بدء المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود، محطة لزيادة منسوب الضغط الأميركي باتجاهين…
الاتجاه الأول، الضغط على المفاوض اللبناني لدفعه إلى القبول بالتخلي عن تمسكه بنقطة الهدنة في رأس الناقورة كمنطلق لبدء عملية الترسيم…
الاتجاه الثاني، الضغط على رئيس الجمهورية وبقية حلفاء حزب الله المقاوم، كي يقبلوا بالتخلي عن مشاركتهم في تسمية وزرائهم في الحكومة الجديدة، وبالتالي التسليم للرئيس الحريري بتشكيل حكومة اختصاصيين يختار وزراءها هو دون مشاركة رئيس الجمهورية أو أيّ طرف من الأطراف السياسية التي تنتمي لفريق الأغلبية النيابية.. ايّ القبول بتسليم السلطة للرئيس الحريري ومن خلاله لحكومة موالية للسياسة الأميركية…
لذلك فإنّ مفاوضات ترسيم الحدود سوف تشكل استمراراً للمعركة بين الفريق الوطني المقاوم للهيمنة الأميركية، والمتمسك بالمقاومة وسلاحها والرافص لأيّ تنازل عن حقوق لبنان في مياهه وأراضيه، والفريق الموالي للسياسة الأميركية الذي يسوّق للشروط الأميركية ويسعى إلى الاستقواء بالضغط الأميركي للانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية واستعادة هيمنته على السلطة.
ولذلك فإنّ المعركة كانت ولا تزال معركة التحرر من الاحتلال والهيمنة الاستعمارية الغربية.. ولبنان المقاوم الذي نجح في تحرير معظم أراضيه بالمقاومة الشعبية المسلحة وفرض معادلات الردع في مواجهة العدو الصهيوني، لا يمكن أن يقبل التفريط بإنجازات مقاومته وتضحيات شعبه، ولهذا فهو مدعو إلى خوض المفاوضات بأفق استراتيجية المقاومة التي ترفض التنازل عن الحقوق، وبالتالي منع الضغوط الأميركية بأن تمكن العدو الصهيوني من أن يحصل في المفاوضات على ما عجز عن تحصيله بالقوة العسكرية.
وما ينطبق على الموقف في المفاوضات، ينسحب أيضاً على الموقف من محاولات فرض تشكيل حكومة انقلابية، أميركية الهوى.. وبالتالي قطع الطريق على مساعي واشنطن لاستغلال الازمة المالية والاقتصادية لإحداث تغيير في السلطة السياسية ينسجم مع الأجندة الأميركية.. وهو ما يستدعي رداً من الفريق الوطني يتجاوز الرفض وتعطيل خطة الانقلاب الأميركية، الى أخذ زمام الأمور بتشكيل حكومة وطنية قادرة على تنفيذ سياسات تخرج البلاد من أتون الأزمة والبقاء رهينة الابتزاز الأميركي الغربي…