دولة لبنان تقتل شعبها مرّتين!!
} د.وفيق إبراهيم
نحو مليون مواطن لبناني مهدّدون بالموت والمرض من مصيبتين طارئتين، الفقر الشديد ووباء كورونا، وسط عجز كليّ من الدولة اللبنانية التي تلجأ الى أساليب تحايلية لكسب الوقت والفرار نحو الهاوية بل الى الهاوية الأشد فتكاً.
فلم يكتفِ اللبنانيون من الانهيار الاقتصادي الذي تسببت به الطبقة السياسية اللبنانية ومصرف لبنان المركزي وألاعيب المصارف «البونزية» حتى اجتاحت «الكورونا» المناطق اللبنانية، وتسجل منذ شهر تقريباً معدل إصابات بين اللبنانيين تضع بلاد الأرز في منزلة أكثر الدول تضرراً وإصابة.
الأرقام هنا تفضح المستور، لأن المعدل اليومي للاصابة بكورونا اصبح قريباً من 1400 إصابة يومياً مع نحو سبع وفيات بأقل تقدير..
هذا يعطي معدلاً وسطياً قدره اثنتان واربعون الف إصابة بكورونا شهرياً، بمعنى أن هناك أكثر من نصف مليون مصاب سنوياً في بلد لا يتجاوز عديد سكانه خمسة ملايين نسمة مع النازحين إليه من سوريين وفلسطينيين، وذلك لأن ثلث أبنائه يعملون في الخارج.
لذلك تجب إضافة نتائج الانهيار الاقتصادي الذي تسببت به سرقة المال العام وموازنات الدولة والديون طيلة العقود الثلاثة الأخيرة.
هنا تجمع كل المصادر الاقتصادية أن إفلاس الدولة وتفشي الكورونا رفع في عديد الفئات الأشد فقراً الى 55 في المئة. وهي في حالة صعود يومي، مقابل 35 في المئة هم من الفقراء والمتقوقعين ضمن طبقة وسطى هشّة تستفيد من دعم الدولة لبعض السلع حتى إشعار آخر، فيتضح أن عشرة في المئة فقط من اللبنانيين هم من الميسورين وينتمون الى الفئات السياسية والمصرفية ورجال الأعمال المرتبطين بهم.
فهل هذه أوضاع يمكن المراهنة عليها؟
تعتمد الدولة اللبنانية لمجابهة الوضع الكارثي على آليتين: تشكيل حكومة لبنانية وبعض الإجراءات الصحية التي لم يتضح جدواها حتى الآن.
لجهة الحكومة، هناك إصرار من القوى السياسية على أن مصالحهم وتمثيلهم السياسي في الحكومات والمجالس النيابية والتعيينات في الادارات هي العناصر التي تدفعهم الى الميدان وليست مصالح الناس الذين انتخبوهم.
هناك محاولة فرنسية تحظى بتأييد أميركي ـ سعودي لتشكيل حكومة يقودها سعد الحريري الرئيس السابق للحكومات.
تعتمد هذه الخطة على مبدأ تمرير مشروعها بالاعتراف بأن حزب الله «موضوع إقليمي» وليس شأناً لبنانياً صرفاً، فتقبل بتمثيل موالين له لتمرير حكومة تذهب في مراحل لاحقة الى الزعم أنها حريصة على المال العام. وهذا يعني باللغة الواضحة إقفال المعابر الفرعية بين لبنان وسورية من جهة والتضييق على الحركة الإقليمية لحزب الله من جهة ثانية.
إن هذه الخطة تعتقد أن بحوزتها أساليب إقناع غير قابلة للرفض، عرضها سعد الحريري بصراحة في مقابلته التلفزيونية الاخيرة، عند قال بحدة، «ان خطة التمويل غربية من الصناديق الدولية والمؤتمرات الاوروبية»، مشدداً على أن «من لديه غيرها فليتقدم وإلا فإن عليه ان يقبل بالتعاون مع الغرب»..
يتبين أن الدولة تترقب تشكل «حكومة السعد» «لاستيراد» أموال توقف بها الانهيار المتسارع. وتراهن على مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، للاستفادة من آبار الغاز المحاذية للحدود البحرية لفسطين المحتلة ولو من طريق الاستدانة الفورية من كبريات الشركات الغربية للطاقة، على أن تمنحها بالمقابل حقوقاً للتنقيب عن الغاز في تلك المناطق..
فالمهم بالنسبة للحكومات المرتقبة هو الاستحصال على أموال لمواصلة إمساكها بالوضع السياسي في لبنان ومنع انفجار ثورة جوع من شأنها إطاحة النظام السياسي من جذوره.
لذلك تلهث الطبقة السياسية خلف أي مبلغ من المال، وتحرض في الوقت نفسه الشارع الطائفي «لبعثرة» القوى الاجتماعية اللبنانية وضبط حركتها عند مفترقات المذاهب والأديان والتكايا.
على مستوى الآفة الثانية فهي كورونا التي تبدو الدولة وكأنها تتركها «على حريتها» لتجتاح القرى والبلدات في مسعى بات واضحاً انه لعرقلة الانتفاضات الشعبية في وجه الدولة ونظامها السياسي.
فكيف يمكن التصديق أن الدولة تجابه كورونا وهي التي تفتك بنحو خمسين الف مواطن شهرياً؟
وكيف تحجر الدولة على قرى وبلدات وتترك مئات آلاف الناس يتنقلون من دون كمامات على الطرقات وفي الحدائق والميادين..
وتسمح بفتح المدارس والجامعات بنظام نصفه من خلال وسائل الاتصال في البيوت، ونصفه الآخر بالحضور المباشر، فيتضح أن الدولة متضامنة مع أصحاب المدارس والمستثمرين بها لجباية النصف السنوي الأول من الأقساط وهذا يتطلّب حضوراً محدوداً للطلاب.
هذه إذاً دولة الرساميل التي تعتبر أن تحصيل الأموال لمصلحة الفئات الغنيّة هو الهدف الأساسي التي تعمل من أجله دولة لبنان الكبير.
فهل تستطيع الاستمرار على هذا النهج؟
الجوع والكورونا عاملان يدفعان نحو الفوضى وتفجير اضطرابات قادرة على إلغاء آخر معالم القرن الأخير.