سرّ «الكلام المباح»… تعويم حكومة دياب والحكم بمشاركة من الجيش اللبناني؟
د. عصام نعمان*
كان لافتاً الموقف الصادر عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أواخرَ الأسبوع الماضي. ففي أعقاب تعيينه يوم الخميس 15/10/2020 موعداً لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة المتعلّقة بتكليف شخصيةٍ تنال الأكثرية لتأليف حكومة جديدة، غرّد الرئيس عون على «تويتر» قائلاً: «من المعلوم أنّ الأمم التي تفقد حسّها النقدي وتمتنع عن إعادة النظر بسلوكها، محكومة بالتخلّف ولا تستطيع بناء ذاتها ومواكبة العصر. فإلى متى يبقى وطننا رهينة تحجّر المواقف وغياب مراجعة الذات؟»
نُسب إلى الرئيس عون أنه أجاب بنفسه عن السؤال بقوله إنه إذا لم يتخلّ أهل القرار عن مواقفهم المتحجّرة فسيكون له موقف مغاير يعبّر به عن «الكلام المباح».
ما الموقف المغاير الذي سيقول الرئيس عون عبره «كلاماً مباحاً»؟
من حق رئيس الجمهورية الذي هو، بموجب المادة 49 من الدستور، «رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور، يرئس المجلس الأعلى للدفاع، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء»… من حقه بل من واجبه عندما تعاني البلاد، كما اليوم، ظروفاً وتحديات استثنائية أن يكون له موقف استثنائي مغاير للسلوكية السياسية السائدة بغية الإسهام في انتشالها من ركود المستنقع الذي تكاد تغرق فيه. فماذا تراه يكون موقفه المغاير «والكلام المباح»؟
لا غلوّ في القول إنه يصعب، في هذه الآونة، إحصاء الأزمات والمعضلات والمشاكل والصعوبات والمعوّقات التي ترزح تحت وطأتها البلاد والعباد في شتى ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والتربوية والثقافية. كلّ ذلك والشبكة السياسية المتحكّمة بما تبقّى من مفاصل للنظام الطوائفي الكونفدرالي موغلة في تناحراتها الأمر الذي تبدو معه، خصوصاً منذ الانفجار الكارثي الذي ضرب مرفأ بيروت (4 آب/اغسطس) والأحياء المحيطة به، غير معنية وغير جادّة في إخراج البلاد من حال الشتات والضياع والفساد، وأقلّه تشكيل حكومة جديدة تحلّ محلّ حكومة حسان دياب المستقيلة.
ثم، لنفترض انّ الاستشارات النيابية المقرّرة لم تفضِ الى تكليف شخصيةٍ تأليف حكومة جديدة قبل انتهاء الأسابيع الستة في 5/11/2020 التي «منحها» الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لزعماء الكتل البرلمانية المؤيدين لمبادرته، فماذا تراه يفعل؟ هل يتخلّى عن مبادرته ويترك هؤلاء الزعماء لمناحراتهم ولمصيرهم؟ ام انّ وزير خارجيته جان إيف لودريان يعاود تحذير أهل القرار من زوال لبنان؟
لعلّ هذه التحديات المصيرية ستدفع الرئيس عون الى أن يفصح بـِ «كلام مباح» عن موقف استثنائي يوحي مقرّبون منه بأنّ محوره سيكون التصدي لعملية تجويف سلطته وتحميله وحده مسؤولية أخطاء المنظومة الحاكمة وخطاياها لدفعه، تحت الضغط، إلى الاستقالة قبل انتهاء ولايته في تشرين الاول/ أكتوبر سنة 2022.
كيف يمكن أن يردّ عون؟
يبدو أنّ أمامه ثلاثة خيارات كلها صعبة ومحفوفة بالمخاطر:
الخيار الأول، وهو الأسهل والأكثر هشاشة، ان يتقبّل الرئيس عون، ولو إلى حين، القصور العضوي لأركان الشبكة السياسية المتحكمة المتمثّل بإخفاقهم في تسهيل تأليف حكومة جديدة، وأن يردّ بدعم حكومة حسان دياب القائمة بتصريف الأعمال إلى أن يتوصّل أركان الشبكة المتحكمة، ربما بعد إعلان الفائز في انتخابات الرئاسة الأميركية (3 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل) إلى توافقٍ حول صيغة حكومة ائتلافية لإدارة مرافق البلاد وتأمين حاجاتها الأساسية لغاية نهاية العهد.
الخيار الثاني، وهو الأكثر ترجيحاً وفعالية، تعويمُ حكومة حسان دياب بمنحها الثقة مجدّداً من مجلس النواب. وإذا تعذّر ذلك، يمضي الرئيس عون في احتضانها ودعمها من موقعه كرئيس للمجلس الأعلى للدفاع مشفوعاً بقرار من مجلس الوزراء يقضي بإعلان التعبئة العامة وتوظيف قدرات الجيش اللبناني للنهوض بكثير من المهام والمسؤوليات التي تتولاها عادةً إدارات الدولة ومؤسّساتها المدنية. ولا شكّ في أنّ ميشال عون، كقائد عام سابق للجيش وكقائد أعلى للقوات المسلحة حالياً بحكم الدستور، له من الاحترام والنفوذ في صفوفها ما يجعله قادراً على ضمان اضطلاع الجيش بدورٍ مشارك وفاعل في تصريف الأعمال الموكَلَة الى الحكومة، وكذلك المساعدة في تنفيذ الأعمال التي تستوجبها الظروف الإستثنائية التي تعانيها البلاد.
الخيار الثالث، وهو الأكثر راديكالية وإثارة للجدل، تعزيزُ التحالف بين جماعة العونيين (التيار الوطني الحر) وثنائية حركة أمل وحزب الله وحلفائهما لتعبئة أكثرية برلمانية تربو على 70 نائباً بغية اعتماد خط سياسي وطني راديكالي عنوانه العريض التوجّه شرقاً، بمعنى تعميق التعاون والتنسيق مع أطراف محور المقاومة، لا سيما سورية والعراق وإيران، ناهيك عن روسيا والصين، في ميادين الاقتصاد والإعمار والتنمية والتسلّح. صحيح أنّ هذا الخيار يحفّ به الكثير من المخاطر الداخلية والخارجية، لكنه يبقى الملاذ الأخير إذا ما شعر الرئيس عون وحلفاؤه بأنهم محاصرون، إقليمياً ودولياً، ومطوّقون بعقوبات سياسية واقتصادية، وبأنه محكوم عليهم بالمواجهة، خصوصاً إذا ما تبيّن أنّ تكلفتها أقلّ بكثير من تكلفة البقاء أسرى مستنقع الركود والتحجّر والتناحر والفساد وتحكّم الولايات المتحدة وحلفائها بمسار البلاد والعباد.
التحديات خطيرة ومثلها المواجهة، ولكن لا سبيل إلى القعود.
_ نائب ووزير سابق