حين يغرق دونالد ترامب في الجغرافية السورية والأجندة الملغومة
} د. حسن مرهج
كالباحث عن مكتسبات تُحقق له مزايا إيجابية يُمكن توظيفها في سياق الانتخابات المقبلة، وكـ الخائف من تداعيات انسحابه من سورية، خشية أن يخسر ورقة تُجيز له الاستثمار في الإرهاب وتعطيل الحلول السياسية في سورية، فضلاً عن إبقاء جُزئيتي روسيا وإيران المتواجدتين بطريقة شرعية في سورية، في مرمى أهدافه الاستراتيجية. هو ذا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ يبدو واضحاً ان نهجه الاستراتيجي في سورية وعموم المنطقة، يُعاني من تصدّعات سياسية وعسكرية، فبعد قراره بالانسحاب عن سورية، عاد ليُعلن إبقاء عدد من جنوده في شمال شرق سورية، لتتوالى التطورات ويُعلن صراحة أنّ هدفه من البقاء في سورية هو النفط، ولتكون في هذا الإطار قوات سورية الديمقراطية ذراعاً عسكرياً لـ واشنطن.
تخبّطات بالجملة يعاني منها ترامب، خاصة أنّ الانتخابات الرئاسية قريبة ولا بدّ من سياسات تُعبّد طريقه الملغوم إلى البيت الأبيض، ولعلّ إصابته بفايروس كورونا تأتي في سياق هذه السياسات، مثلها كمثل العديد من السياسات سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، لكن من الواضح أنّ المنجزات الخارجية لـ ترامب، هي أحد طرفي معادلته الرامية لبقائه في البيت البيضاوي.
في هذا الإطار، من الواضح أنّ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تمديد حالة الطوارئ الوطنية المتعلقة بالأوضاع في سورية إلى ما بعد 14 تشرين الأول الحالي ولمدة عام، له ما له من أجندات تُصرف في الداخل الأميركي، وألغام تُزرع في مسار التحرير الذي دأب الجيش السوري على شقه ضمن ما سبق من ألغام تركية وبعضها كردي.
قرار ترامب في الإطار العام يشي بأنّ استراتيجيته في سورية، والمعنونة في أطر إسقاط الأسد أو محاربة الإرهاب، قد فشلت، إذ تذرّع الرجل بتواجد قوات تُساند الأسد، فضلاً عن ذريعة عودة داعش «الذراع المخابراتي للولايات المتحدة»، وعليه يبدو أن ترامب يُعيد ورقة الإرهاب في جُزئية يُراد منها التأثير على الناخب الأميركي.
قبل عام وعد ترامب بسحب قواته من سورية، إلا أنّ ذلك لن يخدم سياسته ونهجه في سورية والعراق وعموم المنطقة، خاصة أنّ ترامب يسعى إلى نقل السيناريو الكردي العراقي، إلى شمال شرق سورية، ذلك عبر تشكيل كيان سياسي يخدم الأجندة الأميركية أولاً، ويكون بمثابة خنجر في خاصرة الدولة السورية، لا سيما أنّ جيمس جيفري مُهندس هذه الأجندة التقى في مناسبات عديدة الاحزاب والتنظيمات الكردية، وذلك بهدف التقريب بينها للوصول الى بناء هذا الكيان الذي تنضوي تحته ما يسمّى بالمعارضة السورية التي تتبنّى المخطط الأميركي في سورية.
الأهداف الأميركية وكذا المحاولات لتشكيل هذا الكيان، تقابله دمشق وموسكو برفض واضح وصريح، فهذا الكيان يُشكل تهديداً واضحاً لوحدة الجغرافية السورية، وفي جانب آخر فإن مثل هذه الخطوة تناقض في الأهداف والمضمون كلّ القرارات الدولية التي أُصدرت حيال الأزمة السورية، وضرورة منع سورية من التقسيم.
يضاف إلى ذلك، بأن خطوات دمشق وموسكو تسيران بذات السياق، فقد عمدت موسكو إلى سحب البساط من تحت أقدام الأميركان عبر الاتصال بكلّ المجموعات الكردية دون استثناء، بهدف التقريب بينها وبين مواقف الحكومة السورية للوصول الى صيغة يمكن أن تسدّ الطريق أمام أميركا التي تعمل في سورية وفقاً للاستراتيجية «الاسرائيلية»، وهي استراتيجية قائمة على تقسيم سورية الى كيانات عرقية وطائفية، وفي حال تعذر ذلك، يُصار إلى العمل لتأسيس كيان كردي في شمال شرق سورية لسدّ الطريق أمام أيّ جهد وطني واقليمي ودولي يعيد سورية إلى ما كانت عليه قبل فرض الحرب الكونية عليها.
حقيقة الأمر وبحسب بعض المصادر، فإنّ شريحة واسعة من الكرد، يرغبون بالتقارب مع دمشق، لكن ضمن وساطة روسية، وبذات التوقيت هناك شرائح أُخرى من الكرد ترغب بالإبقاء على علاقتهم بالأميركيين، واستخدامها كورقة ضغط من أجل الحصول على مكاسب في حوارها مع الحكومة السورية، وهو موقف تتفهّمه روسيا وكذلك الحكومة السورية التي لطالما تعاملت بنفس طويل مع جميع السوريين الذين رفعوا السلاح ضدّ الدولة بتحريض من التحالف الأميركي العربي.
ضمن ما سبق، من الواضح أنّ الأجندة الأميركية في سورية، دونها عوائق متعددة يُمكن إيجازها بالتالي:
أولاً– انتفاضة العشائر السورية بوجه قسد والتواجد الأميركي، حيث أنّ هذا الأمر يُشكل عائقاً أمام المسار الأميركي في سورية، لجهة إنشاء كيان خاص بالكرد، يمكن من خلاله إبقاء سورية في حالة من التجاذبات، لكن هذه الانتفاضة ستكون لغماً سينفجر في وجه قسد وترامب معاً.
ثانياً– روسيا وإيران يدركون تماماً أن في عمق الأجندة الأميركية، استهداف مباشر لروسيا العظمة وإيران القوة الإقليمية، وبالتالي فإنّ موسكو وطهران لن يسمحا بمثل هذا الكيان الذي يُهدّد مصالحهما في سورية والمنطقة.
ثالثاً– دمشق صاحبة الورقة الأقوى، وبصرف النظر عن مهاترات مصادرة القرار السوري من قبل حلفاء دمشق، لكن الحقائق تؤكد بأنّ روسيا وإيران هم بحاجة سورية والأسد، وبالتالي فإنّ أيّ تأخير في الحلّ السياسي، أو العمل العسكري، إنما يُردّ مباشرة إلى جُملة من الأهداف الاستراتيجية السورية والروسية والإيرانية بعيدة المدى، فحين تصمت دمشق عن تحرير إدلب أو شرق الفرات، فهذا لا يعني إطلاقاً عدم قدرتها على فعل ذلك، لكن في عمق المشهد هناك أولويات تُرتب، واستراتيجيات تُهندس وفق هذه المصالح، وبالتالي فإنّ دمشق لا يُمكن بأيّ شكل من الأشكال أن تسمح لواشنطن بإنشاء كيان كردي في شمال شرق سورية.
في المحصلة، يُدرك السوريّين أنّ هدف واشنطن تقسيم سورية وسرقة ثرواتها، لكن تناسى ترامب أنّ الأسد قال قبل أيام أنّ التحرير آتٍ ولا يمكن القبول بتواجد قوات غازية في شمال شرق سورية، وألمح صراحة إلى المقاومة الشعبية. فهل سيتمكن ترامب وقواته من مواجهة مقاومة عنوانها العريض دمشق وموسكو وطهران؟ هذا السؤال بحاجة لإجابة ستصدر من جغرافية شمال شرق سورية.