ترامب… والسقوط الحتمي
د. جمال زهران*
لم يحدث رئيس أميركي كلّ هذا الصخب في الحياة الدولية والداخل الأميركي، وكلّ هذا الاضطراب في النظام الدولي وفي المنطقة العربية والشرق أوسطية، مثل هذا الرئيس المدعو دونالد ترامب. حيث تولى هذا الرئيس منصبه بعد نجاحه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وتولى الرئاسة رسمياً في 20 كانون الثاني/ يناير 2017، ولم يكن نجاحاً ساحقاً أو حاسماً، بل كان نجاحه بأغلبية بسيطة للغاية، لا تتجاوز الألف صوت! ومنذ أن تولى الرئاسة وقراراته تتسم بالتسرّع والتهوّر، مثيرة للجدل، كما أنها تخاصم الواقع وتثير الفتن على كافة المستويات، وتتجاوز الثوابت خاصة في القضية الفلسطينية باعترافه بالقدس عاصمة الكيان الصهيوني ونقل السفارة الأميركية إلى هناك والبدء بوضع حجر أساسها، وتنصيب نفسه امتداداً لبلفور، حيث أعطى ما لاً يملك لمن لا يستحق، معتقداً أنه يستطيع تغيير مسيرة التاريخ ويحصل على البصمة التاريخية لذاته! فضلاً عن أنّ سمة حكمه هي الانسحابات من غالبية المنظمات الدولية، دون تقديم بديل الأمر الذي يؤكد اتجاه أميركا في عهده إلى الانكفاء على الذات والانسحاب من الدور العالمي! فضلاً عن اضطراب قراراته وإعلانها ثم التراجع عنها، الأمر الذي أدى باختلاف حادّ بين أميركا في عهده، وبين أصدقائها وحلفائها خاصة في أوروبا.
أما داخل أميركا، فإنه قد بادر بالاهتمام بالاقتصاد، وممارسة جميع أنواع البلطجة على النظم الخليجية وإجبارهم على دفع ثمن حمايتهم في كراسيهم، فحصل على ما يزيد عن (500) مليار دولار من السعودية، وكذلك من قطر، وآخرين، تاركاً لهم الخلاف ليتفادى تجمعهم ضدّه، وتصوّر أنه يمكن بذلك أن يحقق تطوّراً اقتصادياً في الداخل الأميركي يضمن بسهولة وفقاً لطبيعة الشعب الأميركي، استمراره فترة أخرى، وليترك الفرصة لمن يخلفه من الجمهوريين، وموجهاً ضربة قاضية للديمقراطيين. حيث رأى أنّ أكبر ضربة لهم بعد أن كادوا أن يسقطوه وفي معركة معه من اليوم الأول لحكمه، لولا أنّ مجلس الشيوخ وبأغلبية بسيطة أنقذته من العزل! كما أنه أثار الفتنة، برفض ووقف الهجرة إلى أميركا من الملوّنين، فظهر أنه شخص تمييزي وفتنوي، فتصدّى له القضاء وألغيت قراراته! حتى وصل إلى مرحلة (كوفيد 19)، وفيروس كورونا، وكان يصرّ من البداية على أن أميركا في أمان من هذا الوباء، حتى انتشر في أميركا كلها، وأثبتت الوقائع فشل ترامب الذريع في مواجهة كورونا في بلاده، حتى أصبحت الولايات المتحدة الأولى عالمياً في عدد الإصابات وحتى تاريخه وصلت (7.5) مليون إصابة، وعدد الوفيات يتجاوز (250) ألف – أيّ ربع مليون مواطن توفى، وراحوا ضحية كورونا. وقد ثبت فشل إدارة ترامب لأزمة كورونا من بدايتها حتى الآن. وزعم كذباً أنّ اللقاح في طريقه للإعلان قبل انتخابات الرئاسة في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 2020! وهو ما يؤكده أطباء أميركيون أنّ هذا مستحيلاً! وقد وصل ترامب إلى محطة تجاوز المناظرة الأولى مع بايدن (منافسة الديمقراطي)، حيث جاءت نتائج الاستطلاع بتقدم بايدن أكثر من 7%.
ثم فجأة أعلن البيت الأبيض في بيان رسمي أنّ ترامب وزوجته (إيفانكا)، قد أصيبا بكورونا، ليدخل ترامب مرحلة خطيرة في طريق السقوط الحتمي.
وقد ثارت نظريتان إزاء إصابة ترامب وزوجته بكورونا. الأولى: تؤكد أنها إصابة حقيقية، نتيجة إهماله وتحدّيه لكورونا، ودخوله مع حكام الولايات في معارك، حاول أن يؤكد هيمنته عليهم وفشل، وهدّد بتحريك القوات المركزية لإجبارهم على الالتزام، وفشل! وهو من «أنصار الفتح… وليس الغلق»، مهما كانت الظروف ودرجة انتشار كورونا. ومن ثم تأكد أنه يناصر الرأسمالية المتوحشة، وضدّ الفقراء والطبقة الوسطى، وعلى حساب صحة الأميركيين دون مراعاة العوامل الإنسانية. وكان من جراء ذلك، إصابته بكورونا هو وأسرته، وعدد لا يقلّ عن عشرة أشخاص من العاملين والمستشارين له في البيت الأبيض!
أما الثانية: تؤكد على أنّ إعلان إصابة ترامب وزوجته ومساعديه بكورونا، هي جزء من تمثيلية في إطار إدارة حملته الانتخابية لإنقاذ تردّي شعبيته، وتغيّر اتجاهات قطاعات جديدة من الشعب ضدّه بعد تدهور أوضاع أميركا الاقتصادية. حيث يحاول مديرو الحملة، الادّعاء بإصابته، ثم الإعلان عن حركات تمثيلية كأن يخرج من البيت الأبيض في سيارة وهو مصاب ليحيّى جمهوره وأنصاره، ويتجوّل في البيت الأبيض بدون كمامة رغم استمرار إصابته. كما يحاولون أن يعلنوا استمرار مشاركته في المناظرة الثانية، وفي المقابل رفض بايدن إعلان موافقته على الاشتراك في المناظرة الثانية، حتى يتمّ الشفاء الكامل والتأكد من ذلك. كما يحاولون الإسراع بالإعلان عن شفائه ليبدو قوياً أمام الشعب الأميركي وأنه انتصر على كورونا، كما كان يدعو الشعب الأميركي إلى ذلك! إلا أنّ انهيار البورصات في أميركا وأوروبا تكشف هذا الزيف!
وبين هذه النظرية وتلك، فإنني مقتنع بأنّ إصابة ترامب وزوجته ومساعديه، حقيقية، ويصعب واقعياً الادّعاء بذلك، لأنه في حالة التأكد من ذلك فإنّ الجمهوريين جميعاً وليس ترامب فقط، سيدفعون ثمناً فادحاً من جراء هذه الأكذوبة.
في هذا السياق، فإنني ولعوامل عديدة لا حصر لها، فإنّ سقوط ترامب المدوي بعد ثلاثة أسابيع من الآن، أصبح حتمياً، خاصة بعد تردّي شعبيته، وأنه شخص كاذب وأضحى غير مقنع للشعب الأميركي.
وقد أكدت قياسات الرأي العام ولها مصداقية كبيرة، وكاشفة لإرادة الشعب الأميركي الحقيقية، أنّ فجوة الشعبية اتسعت لصالح بايدن والديمقراطيين ونائبته المطروحة التي عينها، بدرجة تصل إلى (17%) وهو ما لم يحدث في تاريخ الانتخابات الرئاسية في آخر مائة عام، من واقع الدراسات العديدة حول علاقات قياسات الرأي العام الأميركي، بالانتخابات الأميركية.
وقد أعلنت لجنة الانتخابات إلغاء المناظرة الثانية المقرر لها موعد 15 تشرين الأول/ أكتوبر بعد إعلان رفض ترامب الاشتراك فيها إلكترونياً وأنه سيكون سليماً!
وقد سبق لي من أربعة أعوام، أن توقعت نجاح ترامب قبل إجراء الانتخابات في مقال نشر بالأهرام في القاهرة، لأسباب شرحتها آنذاك، والآن وقبل ثلاثة أسابيع أيضاً أتوقع بسقوطه المدوّي والحتمي، وهو ما ستكشف عنه الأيام المقبلة وتؤكده…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.