الدور اللبنانيّ في أزمة بنيويّة متفاقمة؟
} د. وفيق إبراهيم
منظرُ سفينة النقل الإماراتيّة وهي تفرغ سلعاً وبضائع في ميناء حيفا في فلسطين المحتلة يشكل استسلاماً خليجياً للكيان الإسرائيلي واستعداء كبيراً للفلسطينيين ومحورهم العربي.
هذا جانب أساسي يجب أن يدفع اللبنانيين الى التفكير به من ناحيتين: الأولى تأثيره على الصراع العربي – الإسرائيلي وصمود القضية الفلسطينية. أما الثانية فتداعياته الخطيرة جداً على لبنان.
الجهة الأولى واضحة وتذهب الى ان التطبيع الاماراتي البحريني هو «الميل» الأوّل في حركة تطبيع اخرى جديدة قد تشمل ست دول اخرى بينها السعودية التي تريد لحركتها التطبيعية المرتقبة ان تؤدي الى دعم الرئيس الاميركي دونالد ترامب للنجاح في ولاية رئاسية ثانية في الانتخابات المحددة في 3 تشرين الثاني المقبل وتعتبر أن فشله المحتمل هو سبب اضافي للتطبيع السريع مع «اسرائيل» كحليف مباشر في وجه إيران.
هناك اذاً انعكاسات ضخمة على حركة التطبيع العربية التي تشمل التحالفات العسكرية والاستراتيجية والسياسية وصولاً الى استحداث علاقات اقتصادية وتجارية واسعة مع «اسرائيل».
هذه المرحلة المنتظرة تتجه الى تجاوز التطبيع المصري الأردني الذي توقف عند حدود العلاقات السياسية مع علاقات اقتصادية خفيفة جداً وشبه سريّة، حتى ان السائح الاسرائيلي الواحد يحتاج مواكبة ستة جنود مصريين على الأقل ليسيح في أي مدينة مصرية أو اردنية، هذا يعني اقتصار التطبيع على الانظمة السياسية حصراً.
لكن التطبيع الخليجي المتصاعد استبق الاعتراف بـ»اسرائيل» بحملة اعلامية متواصلة ومنذ عقد تقريباً نجحت في تصوير إيران عدواً اساسياً للعرب وصاحبة مشروع يعمل على ضرب دول الخليج. وبالتالي حالة الازدهار التي يتمتع بها أبناؤه.
هذا ما يجعل لهذا التطبيع مع «اسرائيل» مناصرين وموالين يربطون بينه وبين مصالحهم واستمرارهم، وبالتالي فهو مرشح ليدفع نحو تطوير التبادل الاقتصادي بشكل عمودي ومخيف قد يحول الخليج الى اسواق لسلع «اسرائيل» وجيوشه الى مستهلك لأسلحتها وجامعاتها مختبرات لبث الفكر الصهيوني بين الطلاب.
هذه المؤشرات تكشف عن اقتراب موعد تطبيقها تلك النقلة الإماراتية في ميناء حيفا.
فهل لبنان من الدول المتضررة من هذه التغريبة الخليجية؟
قد يكون اكثر البلدان تضرراً وعلى مستوى الدور التاريخي وليس لجهة بعض الخسائر العارضة.
فالاقتصاد اللبناني يستند الى قطاع الخدمات المتكئ على قطاع النقل البري عبر سورية والاردن الى العراق والخليج، بما يعني ان العلاقة التجارية المباشرة بين حيفا والامارات تصيب الدور اللبناني بشكل اساسي لجهة تعطيل حركة اتصاله الاقتصادي بكامل الخليج، بما فيه الكويت.
كما تضرب حركة السياحة التي كانت تعتمد على مئات آلاف السياح والمصطافين العراقيين والخليجيين الذين كانوا يملأون جبال لبنان ومدنه على مدار العام.
أليست هذه القطاعات مع المصارف هي التي كانت تزود لبنان بثلثي عائداته، فإذا خسرها لبنان، فكيف يستمر اذاً؟
ما يعني ان التطبيع الخليجي مع «اسرائيل» يصيب الدور اللبناني البنيوي الذي يعتمد على قطاع الترانزيت بمداه السوري العربي.
فما العمل؟
هناك عائقان أساسيان يعرقلان سرعة البحث عن بديل.
الأول هو النظام السياسي المستمر في انهيار غير مسبوق يشرذم قواه معمقاً من خلافاتها الدستورية والسياسية، أما الثاني فهو الاصرار الغربي بواسطة القوى الداخلية المحسوبة عليه على منع لبنان من الانفتاح على سورية وإصراره على خلق حالة عداء من بعض اللبنانيين لها.
لجهة النظام السياسي فهو معدوم الوسيلة والإمكانات ولا قدرة له على ابتكار مشروع سياسي للإنقاذ، خصوصاً أن الداخل والخارج يتهمانه بأنه سرق الدولة اللبنانية والناس في العقود الثلاثة الاخيرة ويعمل على انتظار واردات الغاز للنهوض مجدداً.
اما المستوى الثاني فلا يوجد بديل لبناني بوسعه مجابهة خط الإمارات حيفا إلا تعزيز الخط اللبناني السوري العراقي الوسيلة الوحيدة لإنقاذ قطاع الخدمات اللبناني اي ثلثي واردات لبنان على الأقل.
إن الخط اللبناني السوري الذي يوفر انسجاماً سياسياً واقتصادياً يستطيع ان يعمل في مدى سكاني يزيد عن سبعين مليون نسمة هم سكان البلدان الثلاثة مع اقتصادات غنية جداً في موارد الطاقة والتجارة والاستهلاك.
لكن هذا الأمر يحتاج الى قوى سياسية متمكنة تتجاوز الرفض العربي وتذهب لحماية لبنان من خط حيفا والقصاص الأميركي السعودي وتستوعب محاولات بعض أحزاب لبنان الخليجية والاميركية لعرقلة هذه الوجهة بالتهديد بحروب أهلية، وهمية او بتدخل عسكري أميركي إسرائيلي هو ايضاً من أوهام مرحلة القوات المتعددة الجنسية.
لكن ما يعيق اللجوء نحو الخط السوري العراقي هو عدم التجانس بين قوى الأكثرية النيابية.
فهناك فئات منها تنتمي الى الغالبية النيابية لمجرد محاربة قوى داخلية منافسة لها، لكنها لا تزال ضمن العاملين على اللون الغربي لدولة لبنان وتخشى من الانفتاح على الخط السوري العراقي.
لبنان اليوم بين إنقاذ اقتصادي عبر دمشق وبغداد، او الانهيار والتفكك، كما يقول الفرنسيون.