أردوغان يضرب بسيفه العثمانيّ.. فماذا سيجني؟
} سماهر الخطيب
عنون العام 2020 بالعام المأساوي على العالم أجمع منذ بدايته جاء حاملاً للوباء والحرائق والإنفجارات والزلازل مزلزلاً العالم بأحداثه من مشرقه إلى مغربه إلا أنه لم يكن عاماً مأساوياً على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقدر ما كان عام الاستغلال للفرص والتغييرات الجذرية في السياسة الخارجية والاستبداد في السياسة الداخلية..
فمن التصعيد في سورية إلى ليبيا وشرق المتوسط وصولاً نحو القوقاز لم يترك فرصة إلا وراح يضرب فيها بـ»سيفه العثماني» ليظهر استعداده لسيناريو المواجهة في كل بؤر الصراع والملفات الإشكالية، التي شكل مؤخراً محوراً لها.
فبعد أن تعنّت في دعمه للمسلحين في سورية قدّم الدعم العسكري والسياسي إلى حكومة الوفاق الوطني الليبية، توجّه نحو إعلانه بشكل قاطع عن تعيين حدود بلاده في شرق البحر الأبيض المتوسط. حتى كاد دخول السفن الحربية والبحثية التركية، إلى المناطق المتنازع عليها بين اليونان وقبرص، أن يؤدي إلى نزاع مسلح محدود.
إلى ذلك، فالتوترات، لا تزال قائمة في القوقاز أيضاً، ودعمه لجمهورية أذربيجان ضدّ أرمينيا متناسياً ما فعله أجداده ضدّ الأرمن مستنسخاً بكل «وقاحة» سيناريو الإبادة تجاه العرق الأرمني متذرعاً بأسباب واهية للتدخل التركي في هذا النزاع ومحرّضاً على الحرب غير آبه ما يمكن أن يتولّد عنها من كوارث إنسانية..
في هذه الأثناء، لاح في الأفق غضب غربي من تصرفات أردوغان الفردية الخارجة عن السرب الأوروبي الناتوي ومطالبته بوقف الاستفزازات شرق المتوسط والقوقاز وليبيا وحتى سورية ليس محبّة بتلك البلاد إنما عرف غربي سائد بأن يبقى الغرب هو المسيطر على منابع الثروات وطرق إمداداتها. ومع تعنّت أردوغان بطموحاته بتحقيق نفوذه في المنطقة بدأت الدول الغربية بالبحث المضني عن حل مع تهديداته المستمرة..
ولم يتمرّد أردوغان على الأعراف الأوروبية والأميركية فقط بل تمرّد على العقيدة السياسية الخارجية لبلاده «العمق الاستراتيجي» والتي طورها الداعم السابق لأردوغان، أحمد داوود أوغلو. فبات بحسب ما قاله الأخير «أكبر مصيبة على تركيا».. وبالعودة إلى مبادئ «العمق الاستراتيجي» كان أحد مبادئها العملية هو «صفر مشاكل مع الجيران» و«دبلوماسية سلام وقائية ذات أولوية»، تفترض أقصى قدر من المرونة في السياسة الخارجية والحيلولة دون وصول النزاعات إلى عتبة حرجة.. إنما تركيز أردوغان التدريجي لحصر السلطة في يده وتعسّفه في ممارستها لم ينسف دبلوماسية السلام الوقائية فحسب، ولم يراهن على الصفرية فقط إنما قاد بلاده إلى طريق صراع شديد محفوفاً بالمخاطر مع جيرانه وشركائه الدوليين الرئيسيين.
ورغم أن حسب عقلية أردوغان بأن التوازن المستمر على شفا الحرب قد يساعده في الاحتفاظ على تأييد الجزء القومي من جمهور الناخبين، عبر شدّ العصب «العثماني» و«الإخواني»، لكن هذا التوازن ينفّر حلفاءه ويفقده ما استحصل عليه بـ»خبثه» من أوراق في اللعبة الدولية كما أنه لن يكسبه ما يطمح إليه من موارد جيوسياسية أو اقتصادية..
حيث أظهرت مواقفه في شرق المتوسط وسورية وليبيا وقره باغ أنه مستعد للعمل بشكل قاطع وعدائي حتى ضدّ مصالح حلفائه.. وهذا يكشف هشاشة الثقة الممكنة بقيادته وتصريحاته.. إذ لم يفوّت الفرصة، ولم يتخلَّ عن مراوحته بين الغرب والشرق طالما أنّه يحقق أرباحاً في سجلاته السياسية وإن لم يجنها فلن يخسرها في النهاية. وهذا المكنون في العقلية التركية حيث تكسب بعض الضغوط لاستحصال بعض المكاسب، وهو ما برع فيه الرئيس التركي منذ سنوات مضت..
إنما غطرسته ليست «أزلية»، إذ يمكن إسقاطها بسهولة، بتحذير جاد واحد، كما حدث في معركة حلب والإجراء الذي قامت به روسيا حينها ما استدعى انسحابه مع مَن دعمهم من مسلحين من الأراضي التي كانت تحت احتلال «قواته»..
وبالتالي ففي اللحظة التي يدرك فيها أردوغان أن رداً جدياً للغاية ينتظره، من الدول الإقليمية والغربية فإن جميع محاولاته نحو الزعامة الإقليمية أو حتى العالمية ستتوقف، وربما كان له في محاولة الانقلاب عبرة بأنّ وجوده السياسي على المحك دائماً وتحت المجهر..