الوطن

لماذا هذه الهرولة نحو لامركزيّة إداريّة موسّعة؟

 د. وفيق إبراهيم

تزداد المطالبات بتطبيق لامركزيّات إدارية موسّعة في المناطق اللبنانية بشكل تبدو فيه وكأنها الدواء الشافي للانهيار الاقتصادي او محاولة للتعامل معه على مستوى كل مكوّن مذهبيّ لبنانيّ بمفرده.

وقد تختبئ في التفاصيل العميقة، أهداف تلبي مشاريع دولية تريد إلغاء الروابط الإقليمية للبنان من خلال الجغرافيا الإدارية للطوائف، وبالتالي السياسية.

ماذا يجري؟

آخر المطالبين بها ومنذ أيام عدة فقط هو الكاردينال الراعي الذي دعا الى إقرارها لتلبية حاجات المناطق مركزاً على رفض الفدرالية او الكونفدرالية، حسب ما قال.

كذلك فإن الوزير السابق وليد جنبلاط دعا الى تطبيقها على الرغم من أنه أكد لا ان والده كمال جنبلاط أدى دور زعامة وطنية مداها لبنان بأسره ومركزها الشوف وإقليم الخروب وصيدا وبيروت!

بدوره رئيس حزب الكتائب سامي الجميل شدّد على اللامركزية الإدارية الموسّعة، لكنه كان واضحاً بالتعبير عن رغبة حزبه بتقليص الأدوار الإقليمية لبعض القوى اللبنانية.

كما أن رئيس حزب القوات سمير جعجع الذي يبدي حرصاً على «لبنان الخمسة آلاف سنة» يؤكد أنه يعمل من أجل لامركزية إدارية موسّعة إنما لتحسين الإنماء في المناطق.

إلا أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لم يترك الساح لمنافسيه في المناطق المسيحية فصرخ مطالباً بلامركزية إنمائية موسّعة.

لجهة القوى السنية والشيعية، فإن قواها السياسية الأساسية تتحدث عن لامركزية ادارية جغرافية فقط لا تستند الى الانقسامات السكانية المذهبية او الطائفية.

بل تمنح مجالس البلديات وإدارات المحافظات شيئاً من الاستقلالية في سرعة الحركة لتلبية حاجات طارئة.

هذا لا يعني عدم وجود جمعيّات وقوى سنيّة وشيعيّة تؤيد اللامركزية الشديدة التوسّع، لكنها لا تزال مجموعات ثانوية لا تستطيع الادعاء بتمثيل طوائفها على المستوى السياسي.

لتفسير التأييد المسيحي والدرزي للامركزية الموسّعة فيجب ربطه بتوسّع نفوذ القوى السنية والشيعية في معظم الجغرافيا اللبنانية، وهيمنتها على إدارات الدولة، هذا مع محاولة الفرار من الانهيار الاقتصادي للتحرّر من التمدّد التدريجي للطوائف الكبرى.

لكن هذا المشروع يتطلّب تغطية سياسية خارجية، وهذه تستغل الفرصة لاستعمال قوى الداخل اللبناني في مشاريعها اللبنانية والإقليمية فتقسمها ضمن وجهتين: قوى تطالب باللامركزية الشديدة التوسّع وأخرى تعمل من خلال السيطرة على الحكومة فيصبح المشروع الأميركي شديد النفوذ من خلال الأصوات المنادية باللامركزيّات والجهات العاملة للسيطرة على الحكومة، بما يؤدي إلى تسهيل أمر استصدار قرارات ومراسيم تبتدئ بتلبية الانقسامات الإداريّة لتصل بسرعة الى فرض مشاريع فدرالية وكونفدرالية لها أغراضها في المشروع الأميركي الغربي السعودي.

ما هي هذه الأدوار؟

لا يمكن لقوى اللامركزية الإدارية اللبنانية الذهاب مباشرة الى المطالبة بأهداف المشروع الاميركي، فتبدأ بالمطالبات بلامركزيات ادارية موسعة تصل تدريجياً الى فدرالية وربما مع شيء من الضغط المدعوم دولياً الى مستوى كونفدرالية.

لدى التدقيق في مصالح القوى اللبنانية المؤيدة للامركزية يتبين بسرعة أنها لا تستفيد منها شيئاً، فمناطقها غير مكتفية ذاتياً وليس بوسعها التحول الى كانتونات مستقلة لفقدانها كامل العناصر الاساسية المطلوبة لذلك.

لربما تأمل هذه القوى المحلية تأسيس كانتونات تعتاش من علاقتها بالغرب الاميركي والاوروبي. لكن هذا الاخير لا يدعم الا مقابل خدمات سياسية او اقتصادية ومتنوعة.

وبما ان قوى الطوائف ومرجعياتها الدينية تمتلك في هذه المرحلة سياسات يستفيد منها الاميركيون وغيرهم، فإن بوسعهم رفع الصوت عالياً والادعاء انهم طوائف مؤسسة للبنان كما قال وليد جنبلاط في مقابلته التلفزيونية الاخيرة.

اما لجهة الهدف الأميركي فهو حزب الله وأدواره الإقليمية والداخلية، بشكل لا يمكن فهم إصرار الكاردينال الراعي وبعض الاحزاب اللبنانية على اللامركزية الادارية الموسعة وحياد لبنان الا عملاً في سبيل إنجاح المشروع الأميركي في لبنان.

فهل هذا ممكن؟

يجب على القوى السياسية اللبنانية ان تعي ان الحوار الداخلي هو الوسيلة الناجحة لبناء تفاهمات وطنية واستقرار عميق يكفي أن لديها حزباً لبنانياً هو حزب الله حرر مناطق لبنانية واسعة من الاحتلال الاسرائيلي والارهاب، فيما كانت أحزاب أخرى تشارك الكيان المحتل في هجومه على لبنان وتدعم قوى أخرى منه الارهاب في سورية من خلال دعم المعارضات السورية وحتى اليوم.

ويبدو أن انتصارات جديدة لحزب الله وتحالفاته الوطنية هي الوحيدة الكفيلة بإقناع المراهنين على المشروع الأميركي وتفرعاته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى