عضو اتحاد الكتاب التونسيّين الروائي حسن السالمي لـ «البناء»: «الطيف» هي كواليس الكتابة المستثمرة في النص المنجز
} علي بدر الدين
الروائي التونسي، عضو اتحاد الكتاب التونسيين حسن السالمي واحد من أبرز الروائيين التونسيين، وأغزرهم إنتاجاً. والأبرع في كتابة الرواية والقصة، وله مجموعة مميّزة من الإصدارات الروائية والقصصية منها: «التيه» و«زغدة» و«الدماء لا تنبت القمح» و «مأدبة للغبار»، وهي مجموعات قصصية. وكتاب «الإشارات» (دراسات نقدية). وأصدر روايتين هما «البدايات»، و «الطيف» التي حصلت على جائزة توفيق بكار للرواية في دورتها الثانية (2019/ 2020)٠
سألته «البناء» في تواصل معه، عن رواية «الطيف» وأهميتها شكلاً وأسلوباً ونصاً، وما يميّزها عن غيرها من الروايات التي دخلت حلبة السباق لتنال الجوائز؟ ردّ السالمي بثقة وفخر، وقال:
نظرا لسمة التشظّي، المهيمنة على رواية الطّيف، فإنّه من الصّعوبة بمكان أن تختصر دلالياً أو فنيّاً، لكن يمكن الإشارة إلى أنّها ابتدأت بصرخة كاتب مغمور يشعر بحسيس الكلمات تتدافع في ذهنه، ولكن دون أن يجد لها قدرة على إخراجها… ذات خلوة يستحضر قُرّاءً ونقّاداً افتراضيين يمثلون في خياله كالحقيقة أو أشدّ، وشيئاً فشيئاً يدخل معهم في لعبة طريفة تقوم على الاشتراك في بناء نصّ سرديّ… ويحتدم معهم في جدل متواصل طيلة الرّواية، مما يولّد حركة متدفّقة في النّص تنتشر على عدّة مساحات ودوائر تتقاطع وتتداخل وتتشابك في ما بينها، تطال المواطن التّونسي قبل وأثناء وبعيد الثورة… ومن هنا فإنّ رواية «الطّيف» خلقت في عالمها ثلاثة خطوط كبرى اتّسمت بالتّمايز والتّجاور.. الأوّل تضمّن عالم الدّم والأعصاب (الواقع المعيش)، والثّاني عالم الحبر والورق (القصّة المتخيّلة)، أمّا الثّالث فيحتلّه عالم القرّاء والنقّاد، (النّقد في بعده النّظري).
التّجريب في رواية «الطيف»
«الطّيف»، رواية اختارت أن تخوض مغامرة التّجريب والذّهاب فيه إلى المدى الأقصى، لا يقتصر على ناحية دون غيرها، بل يشمل دوائر لا متناهية تتّسم بالتّشعّب والتّشظي والامتداد على مستوى الدّلالة والشّكل والفنّ عموماً… ومن هنا فإنّ المبدأ العام الذي تقوم عليه هو التعدّد… تعدّد في الرؤى والمواقف ووجهات النّظر والأصوات والضّمائر والرّواة والشّخوص والأحداث والأزمنة والأمكنة والقضايا والهموم والمشاغل، فضلاً عن تعدّد مستويات اللّغة والتّقنية والآليات الفنيّة وما إلى ذلك.
من مظاهر التجّريب في رواية «الطّيف» هو اشتغالها اللافت على الروائيّــــــة كأداة فنيّة مستحدثة ما زالت بعد قيد التّجربة والبحث.. ورغم أنّ المدوّنة السرديّة العربيّة على وجه الخصوص لم تظفر بعد بمفعوم محدّد لهذه الأداة، فإنّ «الطيف» غامرت بالقول – على طريقتها – واعتبرتها في كلمة موجزة: هي كواليس الكتابة المستثمرة في النّص المنجز. وهذه الكواليس لها دوائر زمنيّة سابقة للإبداع، ومتساوقة معه ومستبطنة له، وواقعة بعده. تتناول الحالة المصاحبة للكتابة وتكشف عن الورشة السريّة التي صنع فيها النّص… وهي تتّسع لأكثر من مجال وتنتشر على مساحات متعدّدة، منها المساحة النفسيّة والوجدانية للكاتب… كذلك بيئته الاجتماعية والمعيشيّة، وما إلى ذلك من تفاعلات المبدع مع واقعه المتداخل المتشعّب… لقد حاولت «الطيف» أن تستوعب الروائيّة في دلائلها وتجلّياتها وفق ما سمح به النّص، وتزعم أنّها حرّرته من الفضاء النّظري وأنزلته منازل التّطبيق ما وسعها المجال.
إنّ رواية «الطّيف» تحمل في طواياها أكثر ممّا اختزلته هذه الكلمات، يضيق المجال لعرضها جميعاً.