التعاون المتعدّد الأطراف ينتصر على قوميّة اللقاح
أصبحت الحاجة إلى تطوير اللقاحات ضدّ كوفيد– 19 ملحّة جداً بعد أن أصبح خطر حدوث الموجة الثانية لهذه الجائحة فيروس كورونا الجديد حقيقياً بشكل مخيف في الأسابيع الأخيرة، وضمان توافرها عالمياً أكثر أهمية.
وبينما تقوم معظم البلدان في جميع أنحاء العالم بحشد الجهود لتطوير اللقاحات وتوزيعها، فإنه يتعين على العالم أن يتجنب ظهور قومية اللقاح، التي تخاطر بتأليب الدول ضد بعضها وترك أفقر سكان العالم وأكثرهم عرضة للخطر دون حماية في هذه اللحظة الصعبة للغاية.
وفي الوقت الحالي، تشارك أكثر من 180 دولة في مرفق إتاحة لقاحات كوفيد-19 على الصعيد العالمي (كوفاكس) المدعوم من منظمة الصحة العالمية. وتهدف الحملة الطموحة إلى ضمان الوصول العادل إلى لقاحات فعالة وموثوقة، وتعمل على توفير ملياري جرعة بحلول نهاية عام 2021. و»هذا التعاون والتضامن الدولي جدير بالثناء وضروري»، كما قال علماء في المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في تعليق نشر في مجلة «نيتشر».
ومن خلال انضمامها إلى تحالف كوفاكس، تسعى الصين إلى «المساهمة في الحملة العالميّة الجماعيّة لتزويد المجتمع الدولي بالسلاح النهائي ضد التفشي المستعر وضمان حصول كل مَن يحتاج إلى اللقاح».
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين يوم الأحد إنها «ترحب بخطوة الصين». وكتبت في حسابها على موقع «تويتر»، «نحن جميعاً في هذا معاً. التعددية أساسية للوصول إلى هدفنا العالمي بإيصال اللقاحات إلى كل مكان وإلى كل من يحتاج إليها».
وفي الوقت الذي تتكاتف فيه معظم الدول في مواجهة أزمة الصحة العامة هذه التي تحدث مرة كل قرن، أدارت واشنطن ظهرها للمجتمع الدولي من خلال تعاملها مع الجائحة بمفردها بموجب عقيدتها أو شعارها الانعزالي «أميركا أولاً».
وقالت الإدارة الأميركية الشهر الماضي إنها لن تشارك في «كوفاكس» بسبب منظمة الصحة العالمية و»لن تقيّدها المنظمات متعددة الأطراف المتأثرة بها».
وقد تصرفت واشنطن بعدوانية لحجز إمدادات كبيرة محتملة من اللقاح. وذكرت الإذاعة الألمانية دويتشه فيله في آب أن البلاد «خصصت ما يقرب من 10 مليارات دولار أميركي لشراء 700 مليون جرعة على الأقل من اللقاحات». وهذا النهج يغذي الصعود الخطير لقومية اللقاح.
وإذا سُمح لقومية اللقاح بالانتشار كفيروس شديد العدوى، فإن معظم الاقتصادات المنخفضة والمتوسطة الدخل ستجد صعوبات في الحصول على اللقاحات في الوقت المناسب، مما سيؤدي إلى عواقب وخيمة في الأماكن الفقيرة أولاً قبل أن تمتد إلى جميع أنحاء العالم.
في الوقت نفسه، عندما تنتظر البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بينما تستنفد نظيراتها الأكثر ثراء الإمدادات، «سيصبح العاملون في مجال الرعاية الصحية والمليارات من الأشخاص كبار السن وغيرهم من السكان المعرضين لمخاطر عالية في البلدان الفقيرة من دون حماية، مما سيؤدي إلى انتشار الوباء وزيادة الوفيات وتقويض انظمة الرعاية الصحية والاقتصادات الهشة بالفعل»، حسبما حذر توماس بوليكي مدير برنامج الصحة العالمية في المجلس الأميركي للعلاقات الخارجية وتشاد باون الباحث في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، في تحليل بعنوان «مأساة قومية اللقاح»، نُشر في مجلة «فورين أفيرز».
في مواجهة الفيروس القاتل، لن يكون أي شخص آمناً على الإطلاق حتى يصبح الجميع بأمان. وبالمنطق نفسه، لن يكون هناك تحصين معقول حتى تتم حماية الجميع.
هذا هو السبب في تحذير المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس وغيره من المطلعين مراراً وتكراراً من قومية اللقاح وخطر التلاعب في الأسعار، قائلاً «هذا نوع من فشل السوق الذي لا يمكن حله إلا من خلال التضامن العالمي واستثمارات القطاع العام والمشاركة».
وهذا هو السبب أيضاً في أن «الصين تحافظ دائماً على تعاون وثيق مع المجتمع الدولي في أبحاث وتطوير اللقاحات وقد تعهدت مراراً وتكراراً بجعل لقاحاتها منفعة عامة عالمية».
في المحصلة الفيروس لا يعرف حدوداً، يصيب الناس في جميع أنحاء العالم بغض النظر عن الجنسية أو العرق أو القدرة على دفع ثمن اللقاح. وفقط من خلال تعزيز التنسيق وتحقيق التحصين الشامل من خلال التطعيم في أقرب وقت ممكن، سوف تصبح العودة التي طال انتظارها للحياة الطبيعية في متناول اليد.
ينبغي للمجتمع الدولي أن يرفض بشدة النزعة القوميّة المتعلقة باللقاحات وأن يرتقي إلى مستوى التحدي المتمثل في دحر المرض بحزم.