الوطن

أوان تشكيل الحكومة لم يأت بعد… وما يحصل دوران في الفراغ وإضاعة للوقت

} علي بدر الدين

لم يكن مفاجئاً قرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بتأجيل الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، لأنّ ما أقدم عليه رئيس تيار المستقبل وكتلته النيابية سعد الحريري، من تكليف نفسه بنفسه أولاً، وزيارة الرئيسين عون ونبيه بري، وقيام وفد من الكتلة بزيارة كتل نيابية وشخصيات سياسية وازنة ومؤثرة في عملية التشكيل، وما صدر من ردود فعل متباينة، ما بين السلبي والإيجابي، كشفت بوضوح اتجاه رياح رؤساء الأحزاب والكتل من إعادة تكليف الحريري٠خاصة أنّ كتلتين نيابيتين مسيحيتين، أعلنتا صراحة أنهما لن تسميا الحريري. وهو يعلم ذلك، ولكنه كان واثقاً، من أنه سيحصل على الرقم الذي يخوّله التكليف، بعد نجاح «التسوية «مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي كان رافضاً بشدة تسمية الحريري. وصدق من قال، «إنّ كلام ألليل يمحوه النهار»، و قد تحوّل الرفض إلى مبايعة، بعد أن أخذ وعداً بأنّ حصته في حقيبة وزارية «مهمة» مضمونة وطلبه مستجاب.

غير أنّ الحريري الذي بادر بنفسه أو من خلال وفد كتلته، إلى استشارة رؤساء الكتل النيابية أو من يمثلها، اطمأن إلى مسار الاستشارات التي كانت بمعظمها مؤيدة له وكافية لحسم التكليف لصالحه، أصيب بنكسة التأجيل إلى الخميس المقبل، وكأنّ أحداً سحب «اللقمة من فمه»، وضيّع عليه فرصة العودة إلى السراي الحكومية، وتحوّل حلمه إلى كابوس، خاصة أن لا شيء مضموناً في هذا البلد المنكوب، وربما يجرّ التأجيل تأجيلاًحتى ما بعد موعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية ونتائجها، وإمكانية فتح أبواب التفاهمات والتسويات إلإقليمية والدولية، هذا إذا ما كتب لها النجاح وكانت الظروف مؤاتية.

يعني بكلّ بساطة، ومهما كانت مبرّرات التأجيل أو ضرورته، فإنّ المشهد السياسي القائم، هو قاتم فعلاً ولا يشي بأيّ تفاؤل، إنْ كان على مستوى تشكيل الحكومة، أو على المستوى الصادم والمقلق والمرعب، اقتصادياً ومالياً ومعيشياً، والأخطر منه، تداعيات كورونا الزاحف من دون هوادة، إلى الشركات والمؤسسات والجامعات والمدارس والمنازل حتى المستشفيات، فضلاً عن ضغوط الاستحقاقات القائمة والداهمة والمجهولة، كأنها خلايا نائمة.

كلّ هذا الخطر المتربّص بالوطن والدولة والشعب، فإنّ الطبقة السياسية والمالية، التي أوقعت هؤلاء في المجهول القاتل والمدمّر، لن تتزحزح ولو قيد أنملة عن أوتادها السلطوية، ومرابط خيل مصالحها، ولم تفكّ عقدة واحدة من ارتهانها للخارج، وباتت عاجزة وفاشلة ومسلوبة القرار، أو أنها أتخمت بالأموال المكدّسة، وانتفخت بطونها بالحرام، ولا تعنيها مصالح الشعب وحقوقه، بل تركته لقمة سائغة في فم التنين والمافيات والشبيحة والسماسرة، في معركة غير متكافئة، ونتائجها بانت بوجود أكثر من نصف الشعب اللبناني تحت خط الفقر، وقد بدأت المجاعة تدقّ الأبواب وتدخل لتفتك بأصحابها، وآخر مآثر الفاسدين والسارقين حرمان المرضى من الدواء والمودِعين بالليرة اللبنانية من حقهم في سحب ما يريدون من مبالغ، على طريقة السطو على أموال المودعين في المصارف بالدولار.

وكأنّ ما نهبوه لا يشفي غليلهم وحقدهم على هذا الشعب، وهم اليوم يتساجلون بصوت مرتفع ليوهِموا المواطنين بأنهم مختلفون، وللتلاعب بأعصابهم ولسرقتهم بدم بارد، ومحاولة لإلهائهم بالعصبيات والنعرات الطائفية والمذهبية، وفتح دفاتر من غابر الزمن للتذكير بمراحل الجهل والتخلف وصراع القبائل والعشائر وداحس والغبراء، من أجل أن يحتدم الصراع الذي لا يبقي ولا يذر، ليتراقصوا على بقايا الجثث والأطلال.

هذه الطبقة السياسية لن تغيّر نهجها وسلوكها، ما دامت منتشية بـ «إنجازاتها» وبتخذير شعبها وتجويعه وقهره وحرمانه وبيع قرار لبنان وسيادته لمن يدفع أكثر، وهي غير قادرة على تشكيل أيّ حكومة مهما كانت قوية أو ضعيفة، إنقاذية أو إصلاحية، إلا بقرار من الخارج وبشروطه وتوقيته وقبض الثمن سلفاً أو مؤجلاً مع الفائدة.

لا استشارات… وإنْ حصلت تحت الضغط او لسبب آخر، ولا حكومة ستشكل قريباً، لأنّ العقد والشروط والتحاصص ستكون بالمرصاد، ولا حكومة مستقلة أو تكنوقراط أو مطعّمة أو إصلاحية ستبصر النور إلا بعد الانتخابات الأميركية وتقاطع المصالح الدولية والإقليمية، ولن تشكل حكومة غير شكل كمّاً ونوعاً، بل حكومة تقليدية على شاكلة الحكومات السابقة، وغير ذلك فإنّ السيف مصلت على الرقاب، خاصة أنّ هذه الطبقة عاجزة فعلاً عن تشكيل حكومة إلا بمساعدة خارجية، ولكنها قادرة على العرقلة والخربطة، ووضع «عاليها واطيها» ولديها من السلاح الطائفي والمذهبي والمصلحي والغرائزي ما يكفي لذلك… وانّ غداً لناظره قريب.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى