إيران وسيلة أميركيّة لجبر خواطر آل سعود!
} د. وفيق إبراهيم
المصادفات لا تحدث في السياسات الدولية إلا في قراءة تفاعلات غير مرئية او صعود عناصر كانت كامنة.
هذا ما ظهر في التزامن المريب بين فشل السعودية في الحصول على مقعد في مجلس حقوق الإنسان وبين حوار متزامن قيل إنه استراتيجيّ جامعاً في واشنطن بين وزيري الخارجية الأميركي بومبيو والسعودي فيصل بن فرحان، وخلص إلى اعتبار إيران وكالعادة طرفاً داعماً للإرهاب في اليمن وسورية ولبنان ويجب تعزيز التعاون الأميركي – السعودي العسكري والسياسي لمجابهتها والقضاء على برنامجها النووي والصاروخي، وذلك لتأمين استقرار الشرق الأوسط، كما زعم الطرفان في تصريحاتهما التي أعقبت مباشرة خسارة السعودية في مجلس حقوق الإنسان.
للإشارة فقط فإن روسيا وكوبا فازتا بمقعدين من دون أي معارضة والصين ونيبال وباكستان وأوزباكستان بغالبية الأصوات كأن هناك تنافساً لتعبئة 15 مقعداً شاغراً من 47 عضواً يشكلون مجلس حقوق الإنسان في مقره في جينيف مع التنبيه الى أنه جزء من الامم المتحدة بقرارات غير ملزمة.
لقد بدا واضحاً أن هناك تمرداً أوروبياً تجسّد في الامتناع عن التصويت للسعودية وسط حملة كبيرة تنفذها المحققة كالامار التي تتبنى حملة تاريخية على الانتهاك السعودي لحقوق الإنسان منذ أكثر من عقد.
يكفي أن نائب المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش برونو ستاغنو اعتبر أن مجلس حقوق الإنسان اطلق في رفضه لانتماء السعودية اليه تأنيباً كبيراً لسلطات سعودية تفتك بحقوق الإنسان منذ تأسيسها، خصوصاً في مرحلة ولي العهد الحالي محمد بن سلمان، علماً ان السعودية هي البلد الوحيد الذي فشل في حيازة عضوية مجلس حقوق الإنسان في هذه الانتخابات الأخيرة.
انها اذاً نكسة معنوية ضخمة لعهد ابن سلمان الذي حاول تحسين صورته من خلال انتخابات المجلس، فكانت فشلاً ذريعاً أضيفت اليه تصريحات أوروبية اكدت ان الفشل السعودي سببه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في السعودية واليمن وسورية.
هناك معلومات تؤكد ان ابن سلمان لم يتحمل هذه النتيجة فبدأ بإطلاق شتائم وسباب في حق الأوروبيين، محطماً أثاث مكتبه الخاص والصالونات المجاورة في مرحلة غضب شديد كان يصرخ فيها بأن فشل بلاده في مجلس حقوق الإنسان هو لمنعه من تسلم الملك بعد أبيه سلمان، متهماً الأوروبيين بهذه المؤامرة الخبيثة.
ضمن هذه المعطيات كان على الأميركيين «جبر خاطره» المكسور ورفع معنوياته المتراجعة، مكلفين بومبيو باستغلال لقائه بالوزير فيصل بن فرحان لتضميد الجرح السعودي وذلك بوسيلتين: اتهام إيران بكل ما يحدث من تفاعلات العالم السياسي وخصوصاً في الشرق الأوسط وفي جزيرة العرب واليمن وسورية بشكل أدق. اما الثانية فهي تعميق الحلف الاستراتيجي الأميركي السعودي على مستوى الأمن المشترك وتعزيز التعاون العسكري مع الاستمرار في استهداف ما أسموه برنامج إيران النووي والصاروخي ومشاريع دعمها للحوثيين والدولة السورية وحزب الله، لكن الأكثر طرافة هو إصرار بومبيو على تأسيس برنامج دائم لتسليح الجيش السعودي لأنه المتصدي الأول للإرهاب الإيراني في الشرق الأوسط على حد مزاعم بومبيو وفيصل بن فرحان الذي بدا في اللقاء وكأنه يحقق نصراً في حروب عالمية مجتمعة عدة.
بذلك يكون المستفيد الحصري من هذا اللقاء هي الدولة الأميركيّة أولاً التي تمكّنت من وضع معادلة دائمة لبيع السلاح وبشكل عمودي حتى من دون الحاجة إليه، وذلك لاختراعها دوراً دائماً للسعودية وهو حرصها على استقرار المنطقة.
اما الثاني فهو الرئيس الأميركي ترامب الذي يتجه لتوجيه خطاب للمنتخِب الأميركي يزعم فيه انه مستمر في تأمين ازدهاره الاقتصادي من خلال الإمساك الكامل بالسعودية وكامل الخليج.
لجهة بن سلمان فإنه يحاول إقناع نفسه انه مستفيد من الاتفاق الاستراتيجي مع واشنطن خصوصاً على مستوى رعاية انتقاله الى سدة الملك بعد أبيه بأمان مدعوم أميركياً ومصنعاً وقد يجد نفسه مضطراً لارتداء الجينز الأميركي للتوحّد مع المشهد الأميركي الكامل.
هنا يجوز التأكيد أن هذه المسرحيات تعجل بالتطبيع الإسرائيلي – السعودي بذريعة وجود تهديد إيراني خطير كما يدّعي آل سعود.
الامر الذي يؤكد ان الخاسر الوحيد هم سكان شبه جزيرة العرب الذين يمسك بهم واحد من أكثر الأنظمة تخلفاً ودكتاتورية.
فهل افتعلت أميركا قصة إفشال السعودية في مجلس حقوق الإنسان لمزيد من تطويعها واستعبادها؟
هناك من يقول إن الأوروبيين هم الذين اسسوا عن عمد لسقوط السعودية في الانتخاب الأخير مستغلين انهماك السياسة الأميركية بالانتخابات الرئاسية المقبلة. والحقيقة ان الأوروبيين والأميركيين يعملون على خلق وسائل تسمح لهم بابتزاز محمد بن سلمان وفي كل وقت.
لذلك فإن الرهان هو على اهل جزيرة العرب بتحرك تدريجي يستعيد لهم حقوقهم أو بسقوط ترامب في الانتخابات ما يسمح لبايدن بتبني أجنحة اخرى من آل سعود على حساب إسقاط محمد بن سلمان.