لم يجد العرب مخرجاً لخلافاتهم لكنهم وجدوا الطريق إلى… التطبيع
} جمال محسن العفلق
الخيانة ليست تهمة اليوم إذا كان الهدف منها التوقيع مع الكيان الصهيوني، ولم تعد نقطة سوداء في سجل القادة العرب لأنها ببساطة أتت بأمر من البيت الأبيض، وهو البيت الذي أصبح قبلة الحكام ومصدر إلهامهم، وما يُكتب في البيت الأبيض أهمّ بكثير مما كتبه الأنبياء وما أنزل على الرسل، فالقادة العرب لم يعد يعنيهم اليوم محاربة كيان غاصب وكأنّ “وعد بلفور” آية من آيات الرحمن نزلت على الأرض؟!
إنّ ما عجزت عنه العصابات الصهيونية على مدى اثنين وسبعين عاماً ينجزه العرب اليوم بتوقيع صغير على ملف أشك أنّ الموقعين أطلعوا عليه او علموا ما فيه من بنود وتفاصيل وأفخاخ وضعها الصهيوني في الاتفاق ليكون كلّ حرف فيه لصالح الكيان الصهيوني، أما الموقعون فكان همّهم السير خلف ترامب ونتنياهو وأخذ الصورة التذكارية فقط.
إنّ العلاقات الخليجية المتوتره والتي وصلت إلى حدّ إعلان الحرب في ما بين بعض دول الخليج، والتي عجز مجلس التعاون الخليجي على إيجاد نقاط التقاء فيها، لم يستطع قادة الخليج حلها بل زاد اليوم التراشق الإعلامي في وقت لا يخجل الإعلام الخليجي بوصف الكيان الصهيوني بالدولة المتحضّرة ويطبّل للسلام معها، وبدأ الذباب الالكتروني نشر معلومات كاذبة تبرّر التوقيع وتصف الكيان بأوصاف من يعيش في ذلك الكيان يسخر منها فكانت كلمات الغزل بدور ما يسمّى “إسرائيل تفوق الخيال”، حتى قال أحدهم إنهم “أولاد عمّ” و”هم سكان الأرض الأصليين” و”يجب ان نتعلم منهم”.
أما على الصعيد الخليجي الخليجي فالحرب السرية دائرة اليوم بكلّ الاتجاهات ودفع الأموال لا يتوقف لشراء مقال من مجلة أميركية مشهورة أو خبر في إحدى المحطات ليصف دوله بالعظيمة ويهاجم أخرى، أما العلاقات الخليجية العربية فهي قائمة على تنفيذ مشروع الحصار الغربي للعرب، فمن يريد التطبيع عليه مهاجمة سورية وتضييق الخناق على لبنان والدفع بالإرهاب إلى ليبيا او خلق مسلسل تفجيرات في العراق، واستمرار القتل والتدمير في اليمن… فالمال الخليجي أصبح اليوم دوره ثابتاً وهو تدمير كلّ الدول العربية التي تعترض على التطبيع او تنتقده، فمنذ ربيع 2011 بل قبل ذلك بكثير والمال الخليجي يعمل على تمويل الإرهاب وتصدير الإرهابيين، ودخلت دول الخليج الحرب بشكل مباشر كما يحدث اليوم في اليمن وليبيا وكلّ هذا تحت اسم مصالح الأمن القومي للعرب؟
فالقادة المطبّعون اليوم في الخليج فهموا رسالة ترامب الأولى والتي أطلقها منذ أربع سنوات ومفادها تريدون الحماية والبقاء في الحكم ادفعوا ونفذوا ما نطلبه منكم وهذا ما يحدث اليوم.
أما القادم أصبح واضح المعالم، لتمرير صفقة القرن وعلى دول الخليج منح الجنسية لبعض الفلسطينيين وتهجير البعض الآخر وإلغاء الهوية الفلسطينية من الوجود واتهام أيّ مقاومة بالإرهاب والمساومة على أيّ مشروع تعاون عربي عربي ثقافي أو اقتصادي أو حتى رياضي وكلّ هذا بين سطور اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي ثبت عملياً أنه يحكم دول الخليج تلك منذ لحظة ولادتها.
وبعد كلّ هذا التسارع في عمليات التطبيع أصبحنا ندرك أنّ كلمة عجز عربي هي صنيعة من قالوا عن نفسهم قادة، وانّ التعبير الصحيح هو الخيانة بأقبح صورها التي تعرّضت لها القضية الفلسطينية منذ لحظة تدويلها، وعلى الشعب الفلسطيني اليوم رمي الماضي والسير في طريق الانتفاضة والاعتماد على نفسه بتحرير أرضه، فكلّ التجارب أثبتت أنّ الحق ينتصر وأنّ الاحتلال الى الزوال مهما طال الزمن، وانّ الذين كانوا يستخدمون عبارة تحرير فلسطين كانوا يعملون في الخفاء بتمويل العدوان الصهيوني، وإذا كان هناك قرار صائب اليوم فلن يكون إلا الكفاح الفلسطيني من أجل تحرير الأرض والإنسان، ورمي كلّ الاتفاقيات الموقعة في القمامة لأنها لم تكن إلا أوراق اعتراف بمجازر الكيان الصهيوني المستمرة حتى اليوم، ولا يتوقع أحد أن يجد العرب الطريق للتصالح في ما بينهم لأنّ من يحكم تلك الدويلات هي السفارة الأميركية ومن خلفها الكيان الصهيوني الذي استطاع التلاعب بالإعلام العربي، فحزب الله شيعي وانْ كان مقاوماً فهو مرفوض، وحركة “حماس” سنية وانْ كانت مقاومة فهي مرفوضة، وهذا يثبت للجميع أنّ التلاعب بالألفاظ الدينية والمذهبية هو فقط من أجل حماية الكيان الصهيوني وتبرير وجوده فقط. لهذا أصبح وجود الخلافات العربية العربية أمراً واقعاً لا يمكن التحرّر منه، ولكن الطريق الى التطبيع وفتح الأجواء أمام الطائرات الصهيونية هو أمر عادي ما دام يخدم أصحاب المصالح ويعطي الحماية والديمومة في الحكم الى حين…!