الأمم المتحدة تبتز اليمن في مأرب!
} د. وفيق إبراهيم
المبعوث الأممي الى اليمن مارتين غريفيث لا يخفي محاولاته لإيقاف الهجوم العسكري الذي تحضره الدولة اليمنية في صنعاء لتحرير منطقة مأرب، مثيراً علامات استفهام كبيرة عن اسباب تركيزه على وقف دائم لإطلاق النار في هذه المنطقة بالذات، فيما معظم مناطق اليمن تشتعل بالمعارك.
هناك اذاً خصوصية لمأرب عند الممسكين بالأمم المتحدة! وهم بالطبع الأميركيون عبر نفوذهم العالمي وسيطرتهم منذ 1990 على القانون الدولي، ممسكين به ومتلاعبين بمضمونه حسب اتجاهات مصالحهم.
ضمن هذه المعطيات يجب استيعاب اسباب إصرار المندوب غريفيث على ايقاف معارك مأرب فقط.
فهذا طلب أميركي له علاقة بالسعودية الفريق الاساسي في العدوان على اليمن المتواصل منذ ست سنوات.
آل سعود يرون ان استمرار القتال في مأرب تحديداً يذهب في اتجاه تحريرها من قبل جيش الدولة في صنعاء. وهذا يعني إمساك هذا الجيش لمنطقة حدودية واسعة مع السعودية تبدأ من أعالي صعدة مقابل نجران وجيزان وحتى حدود مناطق مأرب المواجهة للسعودية ولمناطق سيطرة جيش هادي وتحالفاته في الوسط.
بذلك تستطيع دولة صنعاء أن تشكل ضغطاً هائلاً من حدود مفتوحة واسعة مع السعودية لا يمتلك آل سعود سبل مواجهتها، بما يعني انتقال المعارك الى الداخل السعودي بشكل عسكري مباشر وليس عبر الصواريخ والمسيرات فقط.
مأرب اذاً أم النقاط الاستراتيجية في عملية تحرير اليمن من العدوان السعودي الإماراتي المدعوم أميركياً بريطانياً اسرائيلياً ومصرياً وسودانياً منذ 2014.
تكفي العودة الى معلومات دولية عن اكتناز اراضي مأرب كميات ضخمة من النفط مع احتمال كبير لوجود احتياطات كبيرة من الغاز ما يضفي عليها أهمية استراتيجية على المستوى العسكري باعتبار أنها الطريق الملائمة لنقل المعارك البرية الى الداخل السعودي مع أهميات اقتصادية وازنة تتيح بناء دولة يمنية وازنة تستطيع أداء أدوار داخلية وفي شبه الجزيرة والشرق العربي والجزء الأفريقي المقابل لها عند سواحل البحر الاحمر.
هذا بالإضافة الى ان تحرير اليمن عبر تحرير مأرب، يؤدي تلقائياً الى عرقلة التطبيع الخليجي والعربي مع «إسرائيل».
هذه هي الأسباب التي تدفع كلاً من الأميركيين والأوروبيين والسعوديين والإماراتيين والأتراك على الضغط لمنع تحرير مأرب.
لمزيد من التوضيح فإن غريفيت بذل كل طاقاته وإمكاناته لتسهيل عمليات تبادل الأسرى بين دولة صنعاء من جهة والسعودية ورجلها هادي من جهة ثانية في محادثات توصلت الى تبادل أكثر من الف أسير وينتظر انتهاء التبادل مصراً مسبقاً على تطبيق وقف لإطلاق النار في مأرب، وذلك ليعرض مشروع تسوية يقتصر على مأرب.
إنما ماذا يستطيع ان يقدم بالمقابل؟
تقول معلومات إن غريفيت ذاهب الى صنعاء بعد أيام عدة ليعرض تسوية موقتة تقوم على وقف الاشتباكات في الحديدة، والسماح لبواخر الوقود بالدخول الى مرافئها لتنتقل الى مناطق الشمال. هذا يعني أنه يعرض خفض الحصار على قسم من الساحل الغربي يشمل حصراً وقفاً لإطلاق النار يسمح بتمرير الوقود حصراً الى مرافئ الحديدة ونقلها الى معظم مناطق شمالي اليمن والوسط.
بالمقابل يطلب غريفيت وقفاً كاملاً لإطلاق النار في مأرب.
فأين القطبة المخفيّة؟ إنها موجودة في يقين القيادات الغربية والسعودية أن أنصار الله وحلفاءهم الذين يطوّقون قلب مأرب أصبحوا في مرحلة تحريرها.
لذلك يركّزون كامل جهودهم على تسويات هدفها الإعلامي إنساني فيما مراميها العميقة تريد استمرار حرب اليمن عبر تحصين جبهة مأرب والدفاع عن السعودية وحماية التطبيع الخليجي مع «إسرائيل».
هناك نقاط إضافية سببها انهماك الأميركيين في هذه المرحلة بانتخاباتهم الرئاسية المقررة في الثالث من تشرين الثاني المقبل، لكن الاستعداد لها ابتدأ منذ شهر تقريباً ولن تنتهي إلا بعد أشهر عدة من تسلّم الرئيس الجديد المنتخب لمهامه.
هذه المرحلة تفرض تقليص الدور الأميركي الخارجي والتركيز على الداخل.
لذلك يعمل غريفيت على منع حدوث انقلاب دراماتيكي ينهي حرب اليمن عبر تحرير مأرب. وهذا يعني انهيار المشروع الأميركي فيها، عبر حلفائه في المشروع التركي العامل من خلال حزب الإصلاح اليمني الاخواني والمجلس الانتقالي الموالي للإمارات والدولة المزعومة لعبد ربه منصور هادي المقيم في السعودية والموالي لها.
تؤشر هذه المعطيات لصعوبة عقد اتفاق وقف دائم لإطلاق النار في مأرب، فيما تشتعل كل جبهات اليمن الأخرى، فهل يجري تحرير مأرب؟
هذا هو المشروع اليمني الفعلي الذي تؤسس دولة صنعاء حالياً لتأمين ظروفه العسكرية والسياسية والاجتماعية. وهذا لم يعد بعيداً.