اليمن والمعادلات الصعبة… تحرير الأسرى وتتابع الانتصارات
} د. حسن مرهج
تتخذ التطورات في اليمن مساراً متسارعاً لجهة التطورات السياسية، فبالإضافة إلى الانتصارات اليمنية على الصعيد العسكري، والتي أرهقت التحالف السعودي، بات واضحاً أنّ هناك رغبات دولية بإنهاء الحرب على اليمن، وما خطوة تحرير الأسرى اليمنيين إلا ترجمة واضحة للإقرار والاعتراف، بأنّ الجيش اليمني واللجان الشعبية قد حققوا تقدّماً استراتيجياً غاية في الأهمية. هذا الإنجاز يتمحور حول قلب المعادلات السياسية والعسكرية في اليمن، مع تراجع واضح لقوى التحالف، الأمر الذي يشي بأنّ هذه الحرب العبثية باتت قاب قوسين أو أدنى من إعلان نهايتها، خاصة أنّ العدوان المستمر على اليمن، ورغم الدعم الأميركي اللامحدود، إلا أنه لم يحقق غايته، وباتت كلّ موازين القوى بيد الجيش اليمني واللجان الشعبية.
في هذا الصدد، أعلن مكتب مارتن غريفيث المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن واللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان صحافي، عن اتفاق ممثلي الحكومة اليمنية في الاجتماع الرابع للجنة المعنية بتنفيذ اتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين بموجب اتفاق السويد، على الإفراج الفوري عن مجموعة أولى قوامها 1081 معتقلاً وسجيناً.
وقال البيان إنّ الطرفين توصلا إلى الاتفاق الجزئي بعد أسبوع من الاجتماعات في سويسرا، استكمالاً للتفاهمات التي تمّ التوصل إليها في الاجتماع الأخير في العاصمة الأردنية عمّان خلال شباط/ فبراير الماضي.
وبموجب الاتفاق سيطلق الحوثيون 400 معتقل، بينهم سعوديون وسودانيون، في مقابل إطلاق الحكومة اليمنية سراح 681 أسيراً.
بطبيعة الحال فإنّ هذا الاتفاق قد تمّ وبات أمراً واقعاً، وهذا يعني في المضمون بأنّ اليمن بات رقماً ذو أهمية استراتيجية في سياق المعادلات الإقليمية، فحين يتمّ التفاوض على تبادل أسرى أو أيّ شأن سياسي، فهذا يعني حكماً عدم قدرة الطرف الأقوى على حسم الأمر عسكرياً، وفي النموذج اليمني هناك معادلة لم تستطع الرياض ومن خلفها واشنطن تجاهلها، ما يعني في عمق مشهد تبادل الأسرى برعاية أممية، أنّ هناك اعترافاً كاملاً وواضحاً بالجيش اليمني واللجان الشعبية، الأمر الذي يمكن وضعه في إطار السعي الجادّ من قبل أطراف العدوان، لوقف الحرب وإعادة إحياء طاولة المفاوضات من جديد.
السؤال الذي يجب الإضاءة عليه يتركز حول أهمية الانتصارات العسكرية على المناخ السياسي التفاوضي.
حقيقة الأمر ما تمّ تحقيقه على يد الجيش اليمني واللجان الشعبية كان حاسماً حتى الآن في تهيئة مناخ التفاوض، بل أكثر من ذلك، فقد كانت هذه الانتصارات بوابة للدخول عبرها وإجبار دول العدوان على الرضوخ، رغم آلة القتل السعودية التي أمعنت إرهاباً ضدّ اليمنين، وبالتالي من الواضح حتى الآن أنّ ما تمّت هندسته عسكرياً، كان حاسماً في موضوعات الحوار والتفاوض، وإحضار دول العدوان إلى طاولة اليمنيين مكرهين مهزومين لا أبطال ومنتصرين، لكن في المقابل، نلاحظ أنّ قوة الموقف اليمني النابع من حجم الانتصارات التي تمّ تحقيقها، فإنّ الجانب اليمني كان يرفض وعلى أساس مصالح اليمنيين تقديم أيّ تنازلات للغزاة، وهو ما يمكن ملاحظته خلال محادثات ستوكهولم في السويد، حيث لم يكن موضوع التفاوض إنهاء الحرب والاعتداء والقتل والحصار، بل وقف الهجمات على ميناء الحديدة بعد الإخفاقات المتكرّرة للمعتدين في الاستيلاء على هذا الميناء المهمّ والاستراتيجي، ووقوع الأزمة الإنسانية في حال استمرار الحصار.
السؤال الآخر الذي يأتي في سياق التطورات اليمنية، يتلخص في ماذا بعد تبادل الأسرى؟ في هذا الصدد نقول بأنّ النهاية الكاملة وغير المشروطة للعدوان والانسحاب الكامل للسعودية والإمارات من المواقع المحتلة في أراضي اليمن، من أجل الحفاظ على السلامة الإقليمية لهذا البلد، وكذلك إنهاء محاصرة اليمن، هو أهمّ مبدأ لدى قادة أنصار الله دائماً وخاصةً خلال الفترة الأخيرة، باعتباره الخطوط الرئيسة للتفاوض. ففي مفاوضات تبادل الأسرى، قَبِل المعتدون بالتفاوض على مضض، وقاموا بوضع العديد من العراقيل في تنفيذ نتائج المفاوضات، وواصلوا الهجمات الجوية والبرية في كلّ أنحاء اليمن. ومع ذلك، فإنّ هذه المعادلات باتت الآن موضع الشكّ والتردّد بشكل عام، حيث تفكّكت الجبهة المتحدة للمعتدين نتيجةً لانقسامات واسعة وعميقة بينهم، ونتيجة الانتصارات التي تحققت على يد الجيش اليمني واللجان الشعبية.