هل أصبحت أوروبا جاهزة؟
د. وفيق إبراهيم
الثلاثي الأوروبي فرنسا والمانيا وبريطانيا في وضعية دقيقة بوسعه من خلال التدحرج نحوها، التمركز في وضعية دولية متقدمة.
هذه الوضعية هي نفاد مدة العقوبات الاقتصادية على إيران وحقها في بيع السلاح وشرائه.
هذه المرحلة القاسية تبتدئ من الشهر الحالي من 2020 بعد 13 عاماً من عقوبات ابتدأت أميركية وأوروبية في 2007 واصبحت صادرة عن مجلس الامن الدولي منذ 2015 بعد التحاق روسيا والصين اليها، والمانيا من خارج اعضاء هذا المجلس.
بذلك تكون الجمهورية الإسلامية أنهت بنجاح العقوبات المفروضة عليها بما يؤهلها للانطلاق اقليمياً وعالمياً. وهذا ما أعلنت عن نيتها بتنفيذه فوراً خصوصاً لجهة بيع السلاح وشراء الحديث منه لتزويد ترسانتها المصنعة داخلياً بنماذج أكثر تقدماً.
وهذا ما وافقت عليه روسيا والصين معلنتين عن استعدادهما للتعاون المفتوح مع إيران في كل المجالات.
اما الأميركيون فأعلنوا عن استمرارهم بالعقوبات على إيران مهددين كل دولة تتعاون معها بعقوبات قاسية، مؤكدين انهم يستهدفونها لبرنامجها النووي – الصاروخي المهدد للأمن العالمي.
هذا ما أصاب الثلاثي الأوروبي بقشعريرة هزت اندفاعتهم نحو التحرّر من الهيمنة الأميركية التي تأسرهم منذ ستينيات القرن الماضي.
هنا إذاً تكمن المشكلة لأن الأوروبيين يرون ان إيران نفذت ما عليها من عقوبات بإشراف من وكالة الطاقة النووية ومراقبة دولية شملت كل قطاعاتها.
فاستنتجوا ان الاستعداء الأميركي لإيران له علاقة بالصراع السياسي الاستراتيجي بينهما في الشرق الاوسط، بما ينفي عن إيران أي شبهة في مسألة سباق نووي او غيره.
لكنهم ادركوا هذه المرة ان استمرار الأميركيين بعقوباتهم له أبعاد اخرى تتعلق برغبتهم بمنع قيام تفاعلات اقتصادية خارج نفوذهم المباشر، خصوصاً بين أوروبا وإيران، وبالتالي مع روسيا والصين.
بذلك يرى الثلاثي الأوروبي نفسه أمام فرصة استراتيجية تتيح له استعادة مستواه العالمي المفقود، وذلك بالتعامل الاقتصادي مع بلدٍ كإيران يمتلك كل انواع الموارد ويحتاج لتحديث بنيته القديمة الداخلية نتيجة لتعرضه لحصار منذ اربعة عقود على الأقل.
كما ان إيران قطب اقليمي وازن تفتح لأوروبا وروسيا والصين مدى واسعاً بالإمكان التعاون معه اقتصادياً، وأوروبا تعرف أن الصين تريد لمشروع الحرير الخاص بها ان يسير على خط القوقاز وصولاً الى إيران فالعراق فسورية فلبنان أهم خط جيوبوليتيكي معاصر له أبعاد اساسية في الاقتصاد والقطبية العالمية.
أوروبا اذاً وسط صراع بين رغبتها العميقة بالذهاب الى إيران وبين التهديد الأميركي بمعاقبتها، وهو تهديد اقتصادي، لكنه يحمل تداعيات في الداخل الأوروبي السياسي، لجهة الدعم الأميركي المحتمل لخطوة أوروبية داخلية معارضة للسلطات الحالية ما يؤدي الى تأزيم اوضاع الثلاثي فرنسا المانيا انجلتره على نحو دراماتيكي مخيف.
فإذا كانت روسيا والصين قادرتين على تحدي العقوبات الأميركية فلا يبدو ان هذا الأمر مسهّل على دول القارة القديمة.
لذلك، فإن هذا الثلاثي يتجه الى سياسة التريث والانتظار حتى تمهد الصين الطريق الى إيران بشكل نظامي مع إطلاق عجلة مفاوضات مع إيران غير مرئية تؤكد لها فيها انها لن تتأخر كثيراً في التعاون الاقتصادي معها.
هناك نقطة أخرى مخفية يترقب الثلاثي الأوروبي تحققها وتتعلق بخسارة الرئيس الأميركي الحالي ترامب للانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل، فيصبح التفاوض مع منافسه الديمقراطي بايدن أقل حدة وصراعاً مع احتمال التوصل الى حلول وسطى.
لكن هذا الاحتمال ليس مؤكداً فقد يفوز ترامب بالانتخابات. وهذا يعني بموجب هذا التحليل خسارة أوروبا أهم فرصة تاريخية تستطيع ان تعيدها الى قيادة العالم في اطار قطبية متعددة قال الرئيس الفرنسي ماكرون في وقت سابق إنها رباعية وتضم الصين وروسيا وأميركا وأوروبا.
المرجّح اذاً أن تدافع أوروبا عن طموحاتها في اسوأ الاحتمالات.
بما يجعلها تعوّل على اشتداد سعير الصراع الروسي الصيني الإيراني من جهة مع الأميركيين من جهة ثانية، بما يؤدي الى انكسار العقوبات الأميركية فيعود الثلاثي الفرنسي الالماني الانجليزي الى الشرق الاوسط على متن نوعين من العلاقات: الأولى خليجية ترى في أوروبا نصيراً دائماً لها والثانية إيرانية لديها افق اقليمي واسع.
بذلك تلعب أوروبا دوراً وسيطاً بين الخليج وإيران وتتمتع بعلاقات اقتصادية مع الطرفين في إطار جيد، فهل هذا ممكن؟
الأشهر المقبلة تحمل في مضمونها الجواب الشافي للصراع على تجديد القطبية العالمية.