لبنان نحو أزمة تأليف يريدها الأميركيّون بإسناد فرنسيّ؟
د. وفيق إبراهيم
هذا استنتاج قد يثير التعجّب لدى متابعي تطوّرات الأزمة اللبنانية والمعوقات التي تعترض تكليف سعد الحريري لتشكيل حكومة جديدة.
المدهش هنا أن معرقلي المبادرة الفرنسية هم من تحالفات الفرنسيين ويستجيبون دائماً لنصائحهم، فماذا أصابهم؟
بالإضافة الى ان هذه المبادرة تحظى بدعم أميركي سعودي وتعقد مع حزب الله «هدنة الموسم» مما يجعلها قابلة لاحتواء اي اعتراضات مهما علا كعبها.
فلماذا اذاً هذا التلكؤ في تكليف سعد الحريري وعرقلة الاستشارات النيابية الملزمة وتشكل رفض مسيحي قويّ له من قبل التيار الوطني الحر وحزبي القوات والكتائب، لا ينفكّ يتصاعد.
ما يثير الدهشة بهذا الصدد أن بوسع الفرنسيين عبر قنواتهم الدبلوماسية في بيروت او بواسطة سياسي فرنسي من عيار وزير أن يستوعبوا وبسرعة لافتة هذه الاعتراضات المسيحيّة مستعينين بالعلاقات التاريخية من جهة وحاجة الأطراف اللبنانية اليهم من جهة ثانية، وبركات الكنيسة المارونية من جهة ثالثة.
وإذا استعصى الوضع على هذه المحاولات المفترضة فإن دعماً اميركياً خفيفاً ورشيقاً مع إيماءات خليجية، تجعل سعد الحريري امبراطوراً متوّجاً لا يناكفه إلا الثنائي امل وحزب الله.
تقود هذه المطالعة للكشف عن تلكؤ فرنسي أميركي يقوم على معادلة ضرورة الإمساك بلبنان، إنما بشكل تدريجي يتماشى مع مسألتين: ترسيم الحدود الجنوبية بين لبنان وفلسطين المحتلة وما ينتج منها من آبار غاز ونفط تثير لعاب الشركات الفرنسية والأميركية، ويستفيد منها الطرف الإسرائيلي.
لجهة المسألة الثانية فهي العمل على الإمساك المتين الفرنسي الأميركي بلبنان من خلال تعطيل الوظيفة الداخلية والإقليمية لسلاح حزب الله.
هما اذاً الغاز والنفط وسلاح حزب الله ما يعمل المشروع الأميركي الفرنسي والخليجي الكامن في المقعد الخلفي عبر دور كبير تحاول دولة الإمارات تأسيسه في لبنان بعنوانين: الضغط على حزب الله ومجابهة التغلغل التركيّ الى ميادينه.
فهل يمكن إعادة إحياء تلفزيون المستقبل بتمويل إماراتي واستقراء علاقة هذا الأمر بتطبيع «عيال زايد» مع «إسرائيل»؟
لبنان السياسي اذاً يسير ببطء شديد إنما بمواكبة السرعة الضعيفة التي يريدها التحالف الفرنسي الأميركي.
والأسباب هنا واضحة، وتتعلق بالاستفادة من الانهيار الاقتصادي اللبناني الى الحد الأقصى الممكن بشكل تصبح فيه الدولة الحالية كمتسوّل على قارعة الطريق يصرخ طالباً عوناً ولا يجد إلا فرنسا وأميركا، فتطعمانه من كيسه في موارد الطاقة الجنوبية.
هذه هي اللعبة التي ينقاد لها السياسيون في لبنان معتقدين أنهم يتمتعون بأهميات في باريس وواشنطن.
بالمقابل هناك حزب الله وحركة أمل اللذان يعرفان خلفيات المشروع الحالي ويتعاملان معه على اساس الإسراع في الاستفادة من جانبه الاقتصادي على ان تجري عرقلة أهدافه السياسية عند ارتفاع درجات مخاطرها لأنها بموجب موازنات القوى الحالية ليست بمستوى قدرات حزب الله السياسية في لبنان والإقليم، كما ان اللجوء الى خيار العدوان الإسرائيلي يلغي ترسيم الحدود من دون أي نتائج عسكرية حاسمة، هذا مع إمكانية شمول هذه الحرب معظم اراضي فلسطين المحتلة قصفاً بالصواريخ ما يزيد من أزمات نتنياهو الحليف الاساسي للأميركيين في الكيان الإسرائيلي.
لذلك يجب ربط المعوقات التي تستجد على جبهة تشكيل الحكومة اللبنانية، بتأخير قسريّ متعمّد، لا يعمل أصحاب القدرة على إزالتها لحاجتهم الى تعميق الاضطراب انما غير المميت على لبنان.
تؤدي هذه الأوضاع بعد يومين الى إجراء الاستشارات النيابية والدخول في متاهة تأليف الحكومة الجديدة التي يجب أن تلتزم بالشروط الدستورية وبدعة الميثاقية، هذا الى جانب التوقيع الملزم لرئيس الجمهورية الى جانب رئيس الحكومة على القرار الدستوريّ القاضيّ بتشكيلها.
ولا إمكانية للتشكيل من دون التوقيع الرئاسي. والمعروف أن الرئيس ميشال عون لن يوقع إذا بقيت المكوّنات المسيحية الأساسية خارجها او مبعدة عنها.
هنا يستفيد الرئيس عون من الصمت الفرنسي الأميركي الماكر حول هذه الخلافات معتبراً انها لا تمسّ مباشرة بعلاقاته الاستراتيجية مع حزب الله. كما أن هذا الأسلوب يتيح للتيار الوطني الحر إعادة اجتياح الشارع المسيحي على أساس انه المدافع الاساسي عنه في الازمات العميقة.
إن هذه الادوار الباحثة عن مصالح أحزابها واللاهثة وراء مزيد من الشعبوية لا تستقيم أمورها إلا في موافقة فرنسية – اميركية عليها، والا فإن هذين الطريقين قادران على فرض انضواء الرافضين للحريري ضمن جوقات مؤيديه.
يتبين أن لبنان ذاهب من أزمة تكليف الى «مصيبة تشكيل» برعاية خارجية دقيقة ترجئ امور لبنان الى مرحلة تقدّم ترسيم الحدود وانتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثالث من الشهر المقبل، فهل يتمرّد لبنان على المشروع الفرنسي الأميركي السعودي؟