ورودٌ من بِلاد الشّرق
} عناية حسن أخضر*
أُرغِمَتْ على انْ تعِيشَ حياةً لا تحبُّها .. ألزِمتْ بأُمُورٍ كان الصّبر على تحمّلها اُمَرَّ من الصّبر.. وأكبَر مِنَ الأمانَة التي أبتْ الجِبال أن تحَملها.. وقالتْ قَدَري واصبِر.. ولم تَعلم بأن عادات الجاهليَّة الحمقاء هي التي تتحكّم بِها وبمصيرها !!
حملتْ وَجَعها ومَضَتْ في طريقها اَسِيرَة مُثْقَلَةٌ بِأعباءِ الحَياة تُكابِر بمرارة وألَم. وتُقنِعُ نَفْسها بأَنَّ الدُّنيا دارُ بلاءٍ والفَوزُ لِمن صبَر ..
ليالٍ واياّم انقضَتْ وسِنون كان عدَّادُها دقّاتُ قلبها المُتَوَرِّم المُنهَكِ .. تُجَاهِدُ نَفْسها الجِهاد الأكبَر – ترَوِّضُهَا على أنْ تَخضَعَ لِمَصِيرِها دونَ معَانَدة ودون تذمّر!! تذَلِّلُها لِتَكُون طائِعة كَما تروَّضُ الفَرَس الجَمُوح.. وتُلزِمُها بِحُبِّ مَن لَا تُحِبُّه غصباً وتُبعِدُها عن كلِّ ما تُحِبُّهُ وتتمنّاه.. تُكْرِهُها على أن تعيشِ حياة ليستْ لهَا.. ومَضتْ الأيَّامُ وَتَتالَتْ تَشْبهُ بعضَها.. وكانتْ في كلّ ذلك تسعى لمرضاة الله وتهب دُمُوعَها قُربَةً الى الله فكانت كلما اشتمَّتْ عِطْرَاً مِنْ الوَانِ السَّعادة اوجَسْتْ خيفةً.. وَتُابت الى الله نادِمةً.. وكُلَّما نظرتْ الى جمالٍ يَجذُبُها تألّمَت وبكت، وكلّما تألمَّتُ وزاَدَ وَجَعها اقنعتْ نَفْسها بانِّها اصبَحتْ اقرَب الى الله.. وكلّما مَرَّ على مَسْمَعِها لَحْنٌ من الحانِ الطبيعة تهدأ له نفسها وتَستكين.. قالتْ معاذ الله.. ووضعت يَدَيها على اُذُنِيها وَتَوَسَّلت الى الله انْ يُقَوّيها على ترك ذلك كَي تنالَ رِضاه.. وأكملتْ سَيرها المُتَعرِّجِ بين مطبَّاتِ الحَياة.. تُصَارِعُ عَرقلاتها التي لَمْ َتنج ِمنها خطواتُ الكَثيرين من التّابعين القِيلَ على عَمَاه ..
وكُلّما تألَّمْتْ نادتْ تستغيث: « – يارب – خذ بيدي وساعِدني كي أنْسَى وَجَعَ خَدِّيَ الأيمن فأدير خَدِّيَ الأيسَر لِمَنْ ضربني.. وساعدني أن أعيشَ الحياةَ الّتي فُرِضَتْ عليّ ولا تُطِيقُها نفْسِي ولأجلِ رِضاك تَحَمَّلتُها على مضض وكانت الدمّوع وَحْدَها مَنْفَسِي.. فأنفاس المُحيط الملوَّث بِعِقَدِ الجَاهِليَّة العَمياء تخنقني «.
وراحت تمضي.. وعلى كَتِفها اطنان من الدَّسَاتير التي خَطّتها يَدُ الجاهِليَّةِ العمياء وأوثقَها العُرفُ الأبلَهِ والشَّعوذات حتى اصبحتْ تَقاليد وعادات تتوارَثها الأجيال !!
وأكملت تمشي مثقلة الخُطى وهي تستغيث وتطلب العون: « عونك ربّي .. فهمِّي انْ أنالَ رِضاك. وكم أخشى انْ تلومني حينَ القاك ربّي أن كيَف صدَّقتُ كل تلك الخُزعبلات – وظلمتُ نفسي – وأغمضتُ عيوني – وكيف عطَّلتُ عقلي ولم اتدبّر القُرآن كمَا امرتني ..!»
وعندها كم ستلومُ نفسَها وكم ستلعن العادات والتّقاليد ومن سنَّها و( – مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ – وهِيَ لِلذين آمَنُوا..). وستلعَن كلّ من لم يؤمِن بأّنَّ اللهَ خلَقَنا احراراً لا نخضَع الاّ لأمره ولا نعبُدُ إلاَّ إيَّاه .
فهبني يا سيّدي جُرعةً من الجُرأة تقويِّني على انْ أُعيدَ لعقلي وظيفتَه وان اصنعَ فُلكَ نوحٍ في واضحِ النّهار بعيداً عن شفَا جُرُفٍ هارٍ قبلَ انْ نَنهار.. وعلِّمني أن أزرعُ المحبَّةَ بساتين من الإيثار .. وأحقق الهدَفَ من وجودي وتكويني لأكون خليفة الله في أرضه .
*»خضراء عامِل».