الناس والاهتمام بالقضايا الكبرى
بنظر الكثيرين من القيادات السياسية والأحزاب والمرجعيّات تعني السياسة درجة الاهتمام بالقضايا التي يسمّونها القضايا الكبرى، وربط كل أداء وكل موقف بإعادة التذكير بها، بحيث يصير الانقسام السياسي في حالة بلد كلبنان قائماً حول عناوين من عيار مصير سلاح المقاومة، وعلاقة لبنان بصراعات المنطقة. وتموت السياسة بمعناها العلمي ومفهومها الحقيقيّ اللذين يقومان على أساس الخدمة العامة.
يختلف السياسيون على موقع لبنان في صراعات المنطقة، وهذا ليس بجديد على لبنان. وترتبط قضايا كثيرة داخلية سياسية ومالية بتأثير هذا الموقع وتعامل الدول القادرة مالياً معه سلباً وإيجاباً، ولذلك لا ضيرَ من أن يتقدّم كل حزب وكل مرجع سياسي برؤيته للحلول الجذرية وفي قلبها نظرته لموقع لبنان في هذا الصراع الكبير في المنطقة والعالم، لكن من غير المفهوم ومن غير المقبول أن يتجمّد كل مسعى داخلي مطلوب لمواجهة القضايا الساخنة الاجتماعية والاقتصادية والمالية. وهو مسعى يمكن أن يلتقي عليه المختلفون حول «القضايا الكبرى»، وتلتقي حوله بيئاتهم الشعبية التي تئن تحت ضغط هذه المشكلات والقضايا، ولا ضيرَ من صياغة هذا المسعى تحت سقف ربط النزاع في «القضايا الكبرى».
قضية الدواء من الاحتكار إلى مصير الدعم، يكاد يدار تقنياً من مواقع ضيّقة حكومياً وإدارياً، لكنه يغيب بصورة لافتة عن حركة القوى السياسية الفاعلة، ومثله مصير تعويضات المتضررين من تفجير المرفأ، في ظل استقالة سياسية تشمل الجميع، فيما الناس تشكو من تسيُّب وعبث في ظل تدفق أموال طائلة على منظمات المجتمع المدني بلا رقيب أو حسيب. وهذه نماذج عن قضايا تطال الآلاف من اللبنانيين الواقعين تحت ضغط العوز والحاجة والواقفين تحت خط الفقر.
السياسة هي الناس والناس في وادٍ والسياسة في واد، فمتى يعود السياسيون إلى الناس فيعودون إلى السياسة، والأصح متى تعود أولويات ما يحتاجه لبنان لتصير أولوياتهم، بدلاً من أولويات يرغب الخارج بسماعها، وكثير من اللبنانيين لم يعد يشعر أنه معنيّ بها؟