القطاع التجاري يرفض القيود المصرفية على السحوبات: لتجنب سقوط لبنان في المحظور الأكبر
دعت نقابات وجمعيات تجارية ولجان أسواق من المناطق اللبنانية كافة، الطبقة السياسية «للمرة الألف إلى تحمّل مسؤولياتها بتفعيل العمل المؤسساتي المنتظم وإستعادة الثقة، تفادياً للجوء إلى تدابير متسرّعة وظرفية قد تؤذي الاقتصاد أكثر مما تفيده، وتجنباً لسقوط لبنان في المحظور الأكبر».
وكانت النقابات والجمعيات المذكورة، عقدت اجتماعاً استثنائياً، بدعوة من رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، بحث في تداعيات القيود المصرفية على السحوبات بالعملة الوطنية. وأصدر المجتمعون بياناً، أكدوا فيه أن «الثقة وحدها هي حلاّلة المشاكل الاقتصادية والنقدية، وهي غائبة في الداخل قبل الخارج، وهذا مؤسف لأن توافرها كان ليؤدي إلى إنتظام مالي تلقائي، يغنينا عن إتخاذ قرارات تعسفية خطيرة. فلا إكراه في الاقتصاد، كونه يؤدي حتماً إلى نتائج عكسية».
واعتبروا «أن حرمان المصارف من سيولتها المتوافرة في حساباتها الجارية لدى مصرف لبنان، وتقييدها إلى أقل من 50 أو حتى 30% من إحتياجاتها المعهودة، لهو أمر مستغرب، غير منطقي، ويتعارض مع الأصول المصرفية. فالأمر مفهوم مثلاً في حال لا يملك مصرف تجاري معيّن ما يكفيه في حساباته المحرّرة، ساعة ذاك يكون مشروعاً تكبيده أعباء مالية إضافية. أما كسر الحسابات المجمّدة في شهادات إيداع وحسابات لأجل بشكل قسري، فترتب أكلافاً باهظة، وبالنظر إلى فائدة الأدوات المالية، ومدتها المتبقية قبل إستحقاقها، قد تبلغ تلك الأكلاف 50 أو حتى 80% من قيمة الأموال المودعة».
ولفتوا إلى أن «الكلفة الإضافية الباهظة وغير المبرّرة الناتجة عن هذا التشاطر الإداري، لن تتكبدها المصارف كونها تتحمل مسؤولية إئتمانية، ولن يتحملها العملاء بالتأكيد».
واستغربوا «أن تتحول السياسة النقدية الرسمية من التوسع المفرط إلى الإنكماش الخانق من دون سابق إنذار أو فترة إنتقالية. وفي حال تمّ الإصرار على هذا التضييق في السحوبات النقدية، فستترتب النتائج التالية:
1- حياة يومية كارثية ومذلّة للمواطنين، خصوصا لغير المتعاملين مع المصارف، والذين لا يملكون وسيلة دفع بديلة عن الأموال النقدية.
2- توقف محتمل لتوطين الأجور والرواتب في المصارف، نظراً لكلفة هذه الخدمة الرادعة في حال شحّ السيولة، ونظراً لاحتجاز أموال الرواتب الفائضة عن «كوتا» السحب الشهرية.
3- مواجهة مستمرة وتوتر إضافي بين المصارف وعملائها نظراً لهزالة المبالغ المسحوبة، فيما الدولة هي المسؤول الأول عن بؤس المصير. فعلى سبيل المثال كيف يسدّد المتضررون من انفجار مرفأ بيروت مصاريف الترميم المتوجبة نقداً في غياب الدولة وشركات التأمين؟ وكيف للتاجر والمقاول اللذين يحتاجان إلى سحب مئات الملايين شهرياً أن يتدبرا أمريهما؟
4- زعزعة النظام المصرفي وضرب مرتكزاته من خلال تعقيد عمليات الدفع والقبض والإيداع والسحب، وتعطيل الدورة المصرفية وتفريغها من مضمونها.
5- هبوط قيمة الشيكات بالليرة، على غرار الشيكات المحرّرة بالدولار، وفتح سوق عكاظ جديد حول تسعيرتها.
6- فقدان الودائع المصرفية لجزء كبير من قيمتها، كونها أصبحت غير قابلة للتسييل.
7- تسجيل لبنان رقماً قياسياً جديداً من حيث تداول دولة مركزية واحدة بأربع عملات مختلفة، وهي الدولار اللبناني، الدولار الأميركي، الليرة المحرّرة والليرة المقيّدة، وهذه فضيحة موصوفة لبلد كان معروفا بـ»مصرف العرب».
8- دخول لبنان في اقتصاد الندرة والقلّة، وفي حلزون إنحداري وانكماشي، سيشطب سنوات من النمو الإقتصادي المتراكم.
9- أخيراً وليس آخراً، سيمثّل القطاع التجاري، كالعادة، الضحية الأبرز لهذا التشدّد المالي، وهو الذي شهد أصلاً انخفاضاً سحيقاً لحجم أعماله بلغ أكثر من 80%. وسيكون التجّار في حيرة من أمرهم: فهل سيقبلون بوسائل الدفع الإلكتروني، التي لا تصرف في أي مصرف اللهم إلا بحسم كبير، وبالتالي يخسرون مالهم، أو أنهم لا يبيعون ويخرجون هم وموظفوهم من السوق ويخسرون رأس مالهم.
والطامة الكبرى ستقع على كاهل المستوردين وعملائهم الملزمين بتوفير العملة النقدية (Bank Notes). فإن السوبرماركت الذي يقبض نصف مبيعاته بالبطاقات المصرفية سوف يرفضها كلياً لتأمين السيولة المطلوبة».
وأكد المجتمعون «ان الضرر الكبير لن يقتصر على تجّار المواد المدعومة، خصوصاً الأساسية منها وحسب، بل إن جميع التجار الآخرين مطالبون بالإتيان بـ 100% من الأموال النقدية».
وأعلنوا أنه «بناء على ما تقدم، ينبغي على المسؤولين الاتعاظ من دروس التاريخ القاسية، والتي تفيد بأن إنكماش الكتلة النقدية يؤدي حتماً إلى الانكماش الإقتصادي، فكم بالحريّ عندما يُحرم اللبنانيون من التداول بالعملة الأميركية ومن ثم بالليرة اللبنانية على التوالي. فإن حماية سعر الصرف هدف مشروع، إنما حماية مجتمع لبنان وإقتصاده هدف أسمى».
وأشاروا إلى أن القطاع التجاري يسجل إعتراضه المطلق «على القيود الجديدة المفروضة على السحوبات بالعملة الوطنية»، مناشداً «السلطات النقدية وقف العمل بها فوراً، وذلك لأن إيجابياتها غير مضمونة فيما سلبياتها أكيدة».
وطالبوا بـ»الإتاحة للمصارف بالتصرف بأموالها المودعة بحساباتها الجارية من دون قيد أو شرط، حفاظاً على سيولة الإقتصاد وتيسير عمليات الصيرفة داخل المصارف، بناء على سعر الصرف الحقيقي في ما يتعلق بالعمليات التجارية».
كما دعوا إلى «استثناء القطاع التجاري، خصوصا المكون الإستيرادي منه، من أي تدبير من شأنه أن يعيق نشاطه الخارجي وإلى التشاور مع المعنيين، وعلى رأسهم الهيئات الاقتصادية والمجتمع التجاري، قبل اتخاذ قرارات مصيرية بحقهم».